حمل خطاب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد العديد من الرسائل السياسية، بدءاً من الالتزام بالدستور إلى انتقاد شديد للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولا لتحميل الشعب مسؤولية الاختيار السليم لممثليه في الانتخابات المرتقبة بعد أشهر، إذ قال سموه “نأمل منكم ألا يكون الاختيار أساسه التعصب للطائفة أو للقبيلة”، وأضاف “نناشدكم أبناء وطننا العزيز أن لا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه”.
نجاح الانتخابات
تمنيات وتطلعات سمو ولي العهد لنتائج الانتخابات المقبلة تعتبر مرتفعة الآمال في ظل النظام الانتخابي القائم الذي غير من سلوكيات المرشحين والناخبين وطبيعة العمل البرلماني، لذا فإن تحميل الشعب مسؤولية حسن الاختيار في بيئة مشوهة سياسيا ورديئة ديمقراطيا لن يحقق الأهداف المرجوة من حل البرلمان، بل من الممكن التنبؤ مبكرا أن الصفحة الجديدة التي ينتظرها الكويتيون لن يكتب لها نجاح طويل الأمد، فقد تكون الانتخابات القادمة ونتائجها بداية لـ “إجراءات اخرى ثقيلة الوقع والحدث” كما وصفها الشيخ مشعل في خطابه الذي لاقى ترحيبا نيابيا وسياسيا وشعبيا.
نجاح الاستحقاق الانتخابي القادم يتطلب عملا مبكرا وتهيئة الظروف لما يبدو أنها “الرحلة الأخيرة” من الحياة الدستورية والديمقراطية الكويتية، لذا فأن النواب الحاليين أمام مهمة شائكة، ولكنها غير مستحيلة وتتطلب التعاون وبعض التنازل، والوفاء بوعودهم الانتخابية لإصلاح النظام السياسي، فخارطة مسار الإصلاح لا تتطلب جهدا أو وقتا لوضع قواعدها ومتطلباتها، ولكنها تتطلب تنسيقا ونوايا صادقة، فالأغلبية العظمى من أعضاء مجلس الأمة الحالي قدموا أفكارهم ورؤاهم بهذا الشأن، سواء خلال حملاتهم الانتخابية أو بعد وصولهم البرلمان عبر الاقتراحات بقوانين.
تعديل الدوائر
لا شك أن الخطوة الأولى لمسار الإصلاح تبدأ من تعديل نظام الدوائر الانتخابية، حيث يجمع النواب على ضرورة هذه الخطوة لتعزيز العمل المشترك والجماعي، والقضاء على سلبيات العمل الفردي الذي عاشته المجالس السابقة، وقدم النواب في الفصل التشريعي الحالي عشرة اقتراحات بقوانين في هذا الشأن، وهناك شبه إجماع على إعادة تقسيم الدوائر إلى عشرة مع اختلاف عدد الأصوات المستحقة للناخب، أي أن الأرضية المشتركة لتغيير الدوائر متوفرة.
ومما تتطلبه الاستعدادات للانتخابات القادمة إقرار قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حتى تتحق معايير النزاهة والشفافية بالتوازي مع تأكيد سمو ولي العهد على عدم التدخل الحكومي أو الأسرة الحاكمة فيها، فاستمرار إشراف الأجهزة الحكومية عليها يبقى نتائجها في دائرة الشك، وهذا القانون سبق وأن قدمته الحكومة وعدد من النواب، ومن الالتزامات المشتركة بين أغلبية النواب خلال حملاتهم الانتخابية.
نقل الأصوات
وحتى يستكمل ملف الإصلاح السياسي، يستوجب على النواب إصلاح ثغرة خطيرة في النظام الانتخابي وهي التلاعب بنقل الأصوات، فقد كان لهذه الثغرة دورا رئيسيا في تغيير الوزن العددي والاجتماعي لكثير من الدوائر الانتخابية، مما نتج عنه مخرجات إنتخابية لا تعكس التمثيل الحقيقي للدوائر من حيث طبيعتها السكانية، وعززت من ثقافة هجرة الأصوات بين الدوائر لمصالح مادية وطائفية وقبلية وفئوية، لذا فإن معالجة هذه الفجوة تتطلب إقرار قانون التصويت وفق العنوان المسجل في البطاقة المدنية، علما بأن هذا القانون مقدم من عدد من النواب وسبق للحكومة تقديمه للمجلس في الفصل التشريعي السابق.
وأخيرا، فقد شهد قانون الانتخاب تعديلا يُحرم فيه المدان بقضايا المساس بالذات الالهية والأنبياء، والذات الأميرية وغيرها من حق الترشح والانتخاب حتى وإن كانت العقوبة القضائية جنحة وليست جناية، ويدرك الكثير من النواب الحاليين أن إلغاء هذا التعديل تبوء مركزا متقدما خلال حملاتهم الانتخابية، ولا مجال لعودة أسماء لها وزنها السياسي والنيابي أمثال النواب السابقين مسلم البراك ود. بدر الداهوم وخالد الطاحوس وغيرهم، إلا بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التعديل.
التنازل والتضحية
القوانين متفق عليها نيابيا وسياسيا وحتى شعبيا، ورغبة سمو ولي العهد بالحياد في المجلس القادم مؤشر مؤكد لحياد الحكومة في المجلس الحالي فيما يتعلق بإعادة رسم مفاصل العملية الانتخابية، وهي سمة وفرصة قد لا تتكرر في عهود أخرى للسلطة، ولكن هل النواب – الجميع بلا استثناء – مستعدون لتحسين بيئة الانتخابات المقبلة؟
مما لا يدع مجالا للشك أن الإجابة على هذا التساؤل ستكون “نعم .. ولكن”، فهناك فئة من النواب ترى في تعديل النظام الانتخابي إضعاف لحظوظها في النجاح، وفئة أخرى لا تريد عودة البراك والداهوم وغيرهم إلى الساحة البرلمانية، وفئة ستصور عملية الإصلاح السياسي أحد أشكال التدخل الحكومي لإسقاطهم وإحلال مجموعة جديدة غير معروفة التوجهات، لذا فمن المتوقع أن الأغلبية ستعارض أي تعديل في الوقت والظرف الراهن، وسيعد الشارع الانتخابي بتقديمها في الفصل التشريعي المقبل.
لكل فئة نيابية وجهة نظر جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار من ناحيته الشخصية ومصلحته الانتخابية، بيد أن القبول بهذه الآراء والأعذار يعني الموافقة على تأجيل إصلاح النظام السياسي إلى أجل غير مسمى، وتوريث المجلس القادم سلبيات المجالس السابقة.
حق دستوري
إعلان سمو ولي العهد عدم التدخل في انتخابات رئاسة مجلس الأمة ولجانه بمثابة تنازل عن حق دستوري للحكومة ليكون المجلس سيد قراراته و”فتح صفحة ومرحلة جديدة”، ومقابل ما قدمه الشيخ مشعل الأحمد من مساحة عمل شبه مطلقة للمجلس القادم، فإن ذلك يفرض على النواب من جانبهم التنازل عن حسابات الربح والخسارة لأجل المصلحة الديمقراطية العليا، والتضحية للبدء بإصلاح البيئة الانتخابية لتحسين مخرجاتها، فالحياة الدستورية أمام مفترق طرق في المجلس القادم، فإما يستمر تدفقها في الدولة أو “إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث” تنتظر المشهد السياسي.
