يجمع الكويتيون على أن الدستور الكويتي، الوثيقة السياسية الأقدم في المنطقة، لم يحظ مُنذ إقراره قبل ستون عاما تقريبا بالتطبيق المثالي الذي يترجم ما ورد فيه من مواد تحدد شكل العلاقة بين الدولة والشعب، وحدود السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فيما بينهم، الى واقع ينظم حياة الكويتيين ومستقبلهم.
[inlinetweet]يتقاذف الكويتيون مسؤولية تعطيل الدستور بين ثلاثة أركان رئيسية، الأسرة الحاكمة والحكومة والبرلمان[/inlinetweet]، ومؤخرا اتسعت دائرة المسؤولية لتضم رئيس مجلس الأمة كطرف معني بسلامة الإجراءات الدستورية واللائحية لإدارة جلسات مجلس الأمة، وكذلك الشعب من حيث اختياراتهم لممثليهم في مجلس الأمة، أو كونهم الوعاء الذي تتشكل منه الوزارة بحقائبها وقياديها.
تعطيل الدستور
تعطيل الدستور والاعتداء عليه .. محاولات تنقيحه وتعليقه، من الشعارات الدارجة في الخطاب النيابي والسياسي منذ سنوات، وتلقى رواجا لدى الشارع العام الذي يرددها في تجمعاته الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي. ولا يغيب الخطاب الحكومي عن هذه الأجواء برؤيته للأحداث من زاويته، فهو أيضا يرفع شعاراته في مواجهة الطرف الآخر، استجواب غير دستوري .. أسئلة مخالفة لأحكام المحكمة الدستورية وغيره، ويجد هذا الخطاب قبولا لدى أنصار الحكومة من النواب والمواطنين.
يلخص المشهد السابق، بنظر الكثيرين، واجهة الأزمة الدستورية التي تعيشها الكويت، إلا أن ما خلف الواجهة تفاصيل ذات دلالات غير مطمئنة تجاه مستوى الاعتقاد بالدستور والقناعة بمواده.
[inlinetweet]يدور الصراع في السنوات الأخيرة بين الحُكم والحكومة وأعضاء مجلس الأمة في مساحة محدودة من الدستور تتمثل في المواد ١٠٠ و١٠١ و١٠٢ المنظمة لأداة الاستجواب[/inlinetweet]، ومن يسيطر عليها يمتلك مراكز القوى في النظام السياسي، فالحكومة تسعى للهيمنة على المجلس لحماية كيانها – رئيس ووزراء لا سيما الشيوخ منهم – من أشد أداة رقابية، في المقابل، تعتبر المسائلة البرلمانية شريان الحياة السياسية والانتخابية للنواب، فبمجرد التلويح بها تخضع الحكومة للمستجوب أو تحقق طلبات النواب المبتزين لها.
كفاح مستحق
[inlinetweet]حماية المواد المتعلقة بالاستجواب من سلطة الحكومة كفاح مستحق لحماية الحياة الدستورية والديمقراطية والعمل البرلماني، واستحقاق أكبر على النواب [/inlinetweet]لحفظه من الانحراف التشريعي والرقابي وسوء استغلاله. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن المجالس الأخيرة شهدت استخداما للوزراء لأداة الاستجواب النيابية ضد زملائهم أعضاء الحكومة، وذلك أحد أوجه الانحراف في التعامل مع المكتسبات الدستورية البرلمانية.
[inlinetweet]أخذ النزاع بين السلطتين على مواد الاستجواب الزخم الأكبر، سياسيا وإعلاميا، على مدى سنوات حتى تهمشت بقية مواد الدستور وتراجعت أهميتها[/inlinetweet]، وانفك ارتباطها بالدولة والشعب وهي المنظمة للعلاقة فيما بينهما، ساهم في ذلك عدم إيمان الأغلبية من أعضاء الوزارة أو مجلس الأمة بوجوب التعامل مع الدستور كوثيقة متكاملة، وتراجع الوعي الشعبي عن أهمية بقية النصوص، لا سيما المتعلقة بالواجبات والحقوق والحريات.
التفاته جدية
فعلى سبيل الاسترشاد، انطلقت حملة نيابية، واعتصام في مكاتب الأعضاء في مجلس الأمة، ضد تعطيل المادة ١٠٢ من الدستور بالتزامن مع تسجيل السلطتين التشريعية والتنفيذية مخالفة دستورية تتمثل في تصويت حكومة العاجل من الأمور على مشروع قانون “منحة المتقاعدين”، مع شبه اجماع قانوني ودستوري على المخالفة على عدم دستورية الإجراء لعدم وجود حالة الضرورة، بيد أن الجانب الانتخابي والسياسي والشعبي ألزم السلطتين بتجاوزها، وبمعنى آخر، تعطيل مواد من الدستور بما يسمح بتمرير المنحة.
وفي حدث آخر، أصدر وزير الإعلام المستقيل د. حمد روح الدين – وهو نائب في مجلس الأمة – قرارا وزاريا بوقف إصدار تراخيص جديدة للصحف اليومية دون إبداء الأسباب أو بيان مدة سريان قرار الوقف، ودون أي اعتراض نيابي وسياسي وشعبي على الخطوة التي تمثل تعطيلا لقانون المطبوعات والنشر الذي نص على حرية الصحافة.
الأمثلة السابقة جزء بسيط من شواهد لا تحصى سجلتها الممارسات الحكومية والنيابية على مدى عشرات السنوات أدت الى تراجع الدستور كوثيقة تنظيمية بين الدولة والمواطنين، وكقيمة سياسية بين الحُكم والشعب، ومع الحديث عن انتخابات نيابية قادمة، فإن الدستور ينتظر من المرشحين والسياسيين التفاته أكثر جدية تجاه كل مواده وليس حصرا على مواد الاستجواب والمسائلة، فهم العامل الأكثر تأثيرا في صنع الرأي العام.
إقرأ أيضا: الكويت بعد عقود من الاستقلال .. ديمقراطية متآكلة ودستور مهجن صنيعة السلطتين