دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون برلمانية > غياب الرأي الدستوري يعرض “منحة المتقاعدين” للرد أو البطلان
ينتظر المتقاعدون جلسة ١٤ يونيو لمعرفة مصير منحتهم المالية وسط غياب الرأي الدستوري

غياب الرأي الدستوري يعرض “منحة المتقاعدين” للرد أو البطلان

يعود مجلس الأمة الى الانعقاد بعد إجازة جبرية فرضتها الظروف السياسية المتمثلة باستقالة الحكومة الكويتية، ومن المقرر أن يصوت المجلس، في جلسة خاصة حدد لها يوم ١٤ الجاري، على التعديلات المقترحة على قانون المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لمنح المتقاعدين ثلاثة آلاف دينار، ليسجل بذلك ثاني سابقة برلمانية تصوت بها حكومة تصريف العاجل من الأمور على قانون.

والجدير بالذكر أن السابقة الأولى التي صوتت بها حكومة تصريف العاجل من الأمور كانت على تعديلات قانون الرياضة في ديسمبر من عام ٢٠١٧، وبررت حضورها الجلسة لوجود استحقاقات رياضية دولية على الكويت يتطلب منها “استعجال” التصويت على التعديلات لرفع الإيقاف الرياضي بما يسمح للمنتخبات المحلية المشاركة في البطولات الدولية.

صفة العاجل من الأمور

“يجمع خبراء القانون على أن العاجل من الأمور وفقا للدستور هو ما لا يتحمل الانتظار لوقت طويل أو ذلك القرار الذي يؤدي تركه حتى تعيين وزير بالأصالة إلى إضرار بالمال العام أو المصلحة العامة أو تعطيل العمل بالجهة المعنية” المصدر صحيفة القبس، فهل تعديلات “التأمينات” من العاجل؟

وجه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في ١٣ يوليو ٢٠٢١ بـ “اتخاذ السبل كافة لجعل المتقاعدين شركاء ومستفيدين من تلك النجاحات كتطوير مشاريع استثمارية يخصص جزء من أرباحها للمتقاعدين.”، فلو اعتبر التوجيه – آنذاك – يقع في دائرة العاجل من الأمور، فكان أمام الحكومة خيار إصداره خلال فترة العطلة البرلمانية السابقة التي امتدت من الأول من يوليو الى الأسبوع الأخير من أكتوبر، وفقا لنص المادة ٧١ من الدستور “إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية”.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الحكومة تقدمت بمشروع قانون بصرف منحة مالية لأصحاب المعاشات التقاعدية في ١٧ مارس ٢٠٢٢، أي بعد أشهر عديدة من توجيه سمو ولي العهد، وهذه دلالة إضافية على انتفاء صفة العاجل بالنسبة للحكومة على الأقل.

بعد رفع الحكومة مشروع القانون أعلاه، تقدمت باستقالتها بتاريخ ٥ أبريل الماضي، وقبلت بـ ١٠ مايو الماضي، وهنا تغير المركز الدستوري للحكومة القائمة لحكومة تصريف العاجل من الأمور، الأمر الذي يضع “منحة المتقاعدين” في دائرة الشك الدستوري، لا سيما وإن الاختصاصات المناطة لهذا الشكل من الحكومة غير محددة بشكل واضح دستوريا، مما يجعل القضاء الدستوري هو المعني بالفصل في كل موضوع على حده، وفي ذلك سابقة سجلتها المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم الضرورة بإنشاء اللجنة العليا للانتخابات في يونيو من عام ٢٠١٣، وأبطلت على ضوءه انتخابات مجلس الأمة ديسمبر ٢٠١٢.

تجاهل نيابي

أما على صعيد مجلس الأمة، فمنذ قبول استقالة الحكومة إلى يوم تحديد موعد لإقرار التعديل بجلسة خاصة، لم يفتح نقاشٌ برلمانيٌ حول سلامة تصويت حكومة العاجل من الأمور على مشروع قانون “منحة المتقاعدين”، رغم فسحة الوقت أمام مكتب مجلس الأمة، لجنة الشؤون المالية والاقتصادية ولجنة الشؤون التشريعية والقانونية، علاوة على ذلك، لم يطرح النواب تلك المسألة أمام العامة.

قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في مؤتمر صحفي عقده يوم ٣٠ من الشهر الماضي “في وجهة نظرنا أن موضوع المتقاعدين نعتبره من بين العاجل من الأمور، فهي قضية تهم فئة في غاية الأهمية وتعطلت مصالحهم بما فيه الكفاية”، إلا أن الغانم لم يستشهد بالآراء الدستورية لتعزيز رأيه كما جرت العادة في المواضيع الخلافية.

المؤتمر الصحفي لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم

يدرك أعضاء مجلس الأمة أن هذا الباب من الحوار والنقاش قد يكلفهم مقاعدهم البرلمانية بخسارة شريحة مؤثرة من الناخبين وهم المتقاعدين، رجالا ونساءً، فالقاعدة التي يتعامل بها النواب مع المتقاعدين تقوم على مبدأ “وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا”، وليس وفق مبدأ دستوري، من الناحية الإجرائية.

ولا تختلف القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء الدستوريون عن أعضاء مجلس الأمة في هذا الجانب، فالشعبوية تطغى على المبادئ الدستورية، وسلامة صدور التشريع، فالبيانات التحذيرية الأخيرة التي أطلقتها القوى السياسية بشأن ما يتردد عن تعليق العمل بالدستور، وما سبقها من تعطيل جلسات مجلس الأمة، تجاوزت الجوانب الدستورية الإجرائية المرتبطة بـ “منحة المتقاعدين”.

إشكالية سياسية

ما سبق يمثل أحد إشكاليات العمل السياسي في الكويت، فالوزير الذي يعترض على دستورية استجواب مقدم له لا يمانع بصعود المنصة، والنائب الذي يعارض الحكومة لمخالفتها الدستور يتغاضى عن إجراءات تحمل شبهة غير دستورية لتحقيق مصلحة انتخابية، والقوى السياسية التي تدعو الى احترام الدستور لا تمانع ببعض من التجاوز عليه للحفاظ على حضورها السياسي.

الرد أو البطلان

وبالعودة إلى “منحة المتقاعدين”، فإن تجاوز سلامة الإجراءات الدستورية يجعل القانون عرضه للرد من قبل القيادة السياسية، فهي لا ترغب بالتصديق على قانون معرض للإبطال في المحكمة الدستورية في حال قدم طعن ضده، فصفة “العاجل من الأمور” لم تُبحث لتفادي أي أخطاء إجرائية دستورية، وبالتالي فإن رأي المستشارين الدستوريين في الديوان الأميري وديوان سمو ولي العهد سيلعب دورا مهما للتصديق أو رد القانون.

بحث الجانب الدستوري لتصويت حكومة العاجل من الأمور على “منحة المتقاعدين” حماية للمتقاعدين أنفسهم، وضمان لعدم صرف أموال من صناديق “التأمينات” لا يمكن استرجاعها لاحقا في حال الإبطال، وحماية أيضا للإجراءات الدستورية من أي انحرافات قد يدفع ثمنها مجلس الأمة مستقبلا.