طرحت منصة منشور الالكترونية تساؤلا عن مدى المرونة التي يملكها النائب لتغيير مواقفة، وقبل البحث عن إجابة منطقية يجب وضع بعض القواعد الأساسية، فالسياسة التي تعرف بفن الممكن تضع فروقات ما بين المواقف والمبادئ، فالأولى مرنة تجاه التغيير بناء على المعطيات، والثانية أكثر جمودا، ولكن قد تكسرها المغريات، أيا كان طبيعتها.
لا يفترض بالسياسي أو النائب أن تكون مواقفه جامدة، غير متغيرة بالمطلق، فمتى ما كانت هناك حجج وبراهين سليمة ودلالات مؤكدة تدحضها، ومتى ما هُدمت أركان الموقف فإن التمسك به خطأ، بل خطأ جسيم، وهناك قاعدة قانونية تقول “ما بني على باطل فهو باطل”، وتقع المسؤولية على الفرد المعني لتبرير أسباب تغير مواقفه أمام جماهيره، والدفاع عنها، فالأصل أن يقود ويوجه السياسي والنائب الرأي العام لا أن يسير على حسب أهواء الشارع.
إلا أن العمل السياسي في الكويت له ظروف وأبعاد مختلفة، تتشابه إلى حد كبير مع الدول ذات الأنظمة البرلمانية أو الرئاسية التي يسيطر عليها الفساد، فالمواقف – في غالب الأحيان – لا تبنى على أدلة ولا تهدم بحجج، لذا فإن التغيير دائما ما يكون تحت المجهر، وتسلط عليه الأضواء، ودوافعه محل شك وريبة.
الدور الحكومي
ساهمت الحكومات الكويتية المتعاقبة بشكل كبير في تأصيل هذه النظرة، الشك والريبة، حول من يغير مواقفه من النواب أو السياسيين، فهي سخية في العطاء المالي لمن يغض البصر عن تجاوزاتها، وكريمة في المناصب القيادية لمن يصفح عن أخطائها، ويقف بصفها في معاركها مع مجلس الأمة في الحق والباطل، هي من نسجت حول مبدأ تغيير الموقف خيوط الاتهامات والارتياب.
اليوم، تدفع الحكومة ثمن سلوكها باتجاهين، الأول أن الوقوف معها يقابله ثمن ملزمة بسداده أيا كان أثره، والثاني خلقت جدارا يصعب على من يريد أن يوازن الأمور بعقلانية وحصافة أن يتجاوزه كي لا يقع في دوائر الشك والاستنكار والتجريح. وهذا السلوك مع مرور الفصول التشريعية وأدوار الانعقاد، وتبدل عقليات النواب وأهدافهم من عضوية البرلمان، وتقلب مزاج الشارع الكويتي بقضاياه حتى المستحق منها، ضيق الخناق على الحكومة كثيرا في كسب النواب وإقناعهم بتغيير مواقفهم بقضاياها المستحقة دون ثمن.
الاعلام الالكتروني
الإعلام، وتحديدا الالكتروني منه، يلعب دورا مؤثرا في صنع مواقف النائب، ودورا أخطر في مصادرة حقه في تغييرها، لذا من ينجح في السيطرة على الإعلام يملك مفاتيح اللعبة السياسية، والقدرة على قلب الموازين وتغييب الحقائق أو كشفها أو حتى تزويرها، وتجييش الجمهور بهذا الاتجاه أو ذاك، ويجعل ممن يغير مواقفه بطلا تخلق له المبررات، أو فاسدا يسعى خلف مصالحه الخاصة، وهذا أكثر ما يخشاه السياسي والنائب، الأمر الذي يترتب عليه بناء حاجز إضافي يجعل من تغيير الموقف خطوة صعبة، وتتطلب الكثير من الحسابات.
يؤخذ على العمل السياسي في الكويت اليوم حدة الطرح وارتفاع سقفه الذي لا يضع هامشا لأي متغير أو طارئ، فيصل إلى مستوى يكون فيه التراجع عن موقف ما شبه مستحيل، حتى وإن ثبت خطؤه، وبالعودة إلى تساؤل منصة منشور الالكترونية عن مرونة النائب لتغيير مواقفه، فالإجابة .. يملك المرونة، ولكن هل يملك الشجاعة لتبرير موقفه الجديد واقناع الشارع به؟
