لحكم محكمة التمييز في قضية إلغاء تعيينات إدارة الخبراء جانب آخر يتجاوز ما جاء فيه من اتهامات لوزيرين سابقين بالإخلال في واجباتهما الوظيفية، واستخدام سلطاتهما في خلق حالات تمييز وظيفية بين المتقدمين لشغل وظائف في “الخبراء”، فهذا الحكم لا يختلف عن أحكام أخرى متطابقة معه في الإشارة الى سوء استغلال السلطة التنفيذية، وإن اختلف من حيث عدد المتضررين – إن صح التعبير – ممن أُلغيت قرارات تعيينهم.
أجراس الخطر
فقد صدرت العديد من الأحكام الإدارية ضد الجهاز الحكومي بإلغاء تعينات مخالفة للشروط والقوانين، أو أحكام بالزام الجهات والهيئات الحكومية بتعيين مستحقين تم استبعادهم بسبب أخطاء أو تجاوزات لصالح آخرين، أي ان [inlinetweet]الحكومة تعلم وتعي جيدا حجم التلاعب وسوء استخدام السلطة لدى أصحاب القرار بتنوع مستوياتهم[/inlinetweet]، فهذا السلوك ليس بالجديد وسبق للقضاء الكويتي أن قرع أجراس الخطر من سوء استخدام السلطة لا سيما في عمليات التوظيف، إلا أن الحكومة أهملت وتجاهلت تلك الأحكام كونها لم تخرج عن نطاق الحالات الفردية الى الجماعية، وهذا مؤشر، مؤكد بالأحكام وليس التحليل، أن أعلى السلطات الحكومية لا تمانع التجاوز في التعيينات طالما القضاء يفصل بها كحالات فردية.
ومع كل تلك الأحكام “الفردية” لم يحاسب الوزراء أيا من القياديين الذين يباشرون الأعمال التنفيذية في جهاتهم، ولم تحاسب الحكومة سياسيا أيا من الوزراء لتقصيرهم بواجباتهم في متابعة مثل تلك القضايا وان كانت فردية، ويعود ذلك الى أن [inlinetweet]الوزراء مشاركون في ارتكاب الجريمة لحسابات مصلحية سياسية مرتبطة بالحفاظ على استقرار مناصبهم[/inlinetweet] من أي تصعيد برلماني، وتقديم خدمات “متميزة” لأبناء طائفتهم أو قبيلتهم أو فئتهم، فهذا ما درج عليه العمل الوزاري السياسي في الكويت.
كما أن [inlinetweet]”التوظيف السياسي” يعتبر واحدا من الأدوات الرئيسية لمجلس الوزراء، كمنظومة عليا[/inlinetweet]، في بناء العلاقة مع أعضاء مجلس الأمة، وأحد أشكال شراء الولاء أو الموقف النيابي، فكيف تحاسب المنظومة لاعبيها على تجاوزات وسلوكيات خاطئة هي من تشرعها لهم أحيانا، وفي أحيان أخرى تفرضها عليهم؟
المصالح الانتخابية
ولا يختلف الأمر كثيرا مع [inlinetweet]أعضاء مجلس الأمة، فهم جزء أساسي من الفوضى التي تصنعها الأجهزة الحكومية في التوظيف[/inlinetweet]، وطرف رئيسي في التجاوزات التي تخدم مصالحهم الانتخابية، لذا التفاعل النيابي مع حالات ابطال التعيينات “الفردية” معدوم تماما رغم تشابه الأخطاء والتجاوزات، ويحدث التدخل في حالة وحيدة حين يمس الحكم مجموعة أو دفعة كاملة كما حدث في قضية تعيين الخبراء، ويتحول الحكم الى حدث عام يتداول في مواقع التواصل الاجتماعي.
حاجة المواطنين للحصول على وظيفة، أو لمنصب اشرافي أو قيادي، أصبحت رهن صفقات حكومية نيابية لا علاقة للأحقية أو العدالة بها، فالسلطة التنفيذية هي من تدفع المواطن للجوء الى نائب من أجل وظيفة أو منصب بتعمدها الخروج عن المسارات القانونية للتوظيف، واصرارها على تجاوز الأصول اللائحية في التعيين، إلى أن [inlinetweet]أجبر المواطن أن يكون شريك ثالث في الممارسة، فلم يعد يمانع بالحصول على وظيفة أو منصب لا يستحقه[/inlinetweet] على حساب الآخرين.
تجاهل الأحكام
[inlinetweet]أجراس الإنذار التي أطلقتها السلطة القضائية تجاه التجاوزات في التعيينات لم تُسمع يوما من السلطتين التشريعية والتنفيذية[/inlinetweet]، فقد سبق وأن أبطل القضاء تعيينات على مستوى رؤساء هيئات حكومية، ووكلاء مساعدين ومدراء وصولا الى بداية السلم الوظيفي من موظفين مبتدئين، ووجه رسائل عديدة في أحكامه آخرها ما ذكر في حكم ابطال “تعيينات الخبراء”، اذ يقول القاضي في حيثيات حكمه “تبين أن الوزير الثاني المشار إليه بصفته الرئيس الإداري الأعلى لوزارة العدل قام بتعيين العديد من المتقدمين الذين لم يجتازوا الاختبار التحريري أو المقابلة الشخصية أو كليهما”.
تجاهل الأحكام القضائية الفردية برغم جسامة أخطاء التعيينات وغياب تطبيق مبدأ الثواب والعقاب أدى الى اتساع رقعة الإساءة في استخدام السلطة سواء من الوزراء أو القياديين أو حتى النواب، فمعظم النار من مستصغر الشرر، وهي أحد أشكال الفساد في الدولة والإفساد للمجتمع.
مكافحة الفساد
الأسابيع الماضية سلطت الضوء على عدة أشكال للفساد في مواقع مختلفة ومن شخصيات متنوعة، فما أثاره النائب رياض العدساني في استجوابه لنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية السابق الشيخ خالد الجراح، وبلاغ “صندوق الجيش” الذي قدمه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع السابق الشيخ ناصر الصباح، وعلاوة على ذلك ما أعلنت عنه وزير الأشغال العامة ووزير الدولة لشؤون الإسكان المستقيلة د. جنان بوشهري عن سلطة الشركات على مجلس الأمة، وصولا الى ما نطق به حكم “التمييز” في تعيينات الخبراء، يطرح تساؤلا مهما، هل هناك في السلطتين التشريعية والتنفيذية من يريد مكافحة الفساد بكافة أشكاله فعلا؟
نسخة PDF: الحكومة والمجلس تهاونا بأحكام “القضاء” فحدثت كارثة “الخبراء”