تولي الشيخ صباح الخالد رئاسة الحكومة بأجواء ليست بالبعيدة عن تلك التي سلمت قيادتها الى سمو الشيخ جابر المبارك في نوفمبر ٢٠١١، فكلاهما تولى الرئاسة بعد أحداث مرتبطة بقضايا فساد لعب صراع الأسرة الحاكمة فيها دورا، فإن كانت “الايداعات المليونية” وضعت المبارك رئيسا خلفا للشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، فإن “صندوق الجيش” أسقطه ورسم طريق الخالد الى الرئاسة.
التجربة والخطأ
تلك الأحداث التي عايشها الرئيس الخالد وكان شاهدا عليها، ألقت بظلالها على المسار السياسي الذي رسمه لمستقبله كأحد كبار أفراد الأسرة أولا، وثانيا كرئيس وزراء جديد يبحث عن دعم الشارع وإعادة الثقة، وثالثا كأعلى مسؤول عن إعادة تحديد شكل العلاقة مع مجلس الأمة ورئاسته، فحمل شعار مكافحة الفساد لأول محطات عهده كرئيس الوزراء.
كما أن سموه شهد سقوط حكومات كان جزءا منها، ورأى فشل وزراء، أي أن [inlinetweet]نظرية التجربة والخطأ في مرحلته كرئيس للوزراء لا مجال لها لمواجهة أنواع الفساد[/inlinetweet] الإداري والمالي والتشريعي، فهو إما أن يمارس مهامه كرئيس وزراء فعلي يقود حكومته، وصاحب قرار داخل مجلس الوزراء في محاسبة وزرائه وخارجه في مواجهة التدخلات النيابية والسياسية، أو يتنازل عن صلاحياته للآخرين، وينتهي به المطاف كرئيس وزراء “شكلي” يذكره التاريخ بمنصبه لا إنجازاته، ولكن هل التشكيل الحكومي سيحقق له ذلك؟
نماذج نيابية
يقول رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم تعليقا على التشكيل الوزاري واختيارات الخالد أنه “أخذ الوقت الكافي لتشكيل الفريق الوزاري الذي يرغب فيه، وهو شخصيا سيتحمل مسؤولية هذه الاختيارات”، وهذا الموقف غير المسبوق، علاوة على [inlinetweet]ردود الفعل الشعبية والسياسية على الأسماء تشير الى أن اختيارات الخالد لا تحمل مؤشرات جدية[/inlinetweet] أو دلالات حقيقية على قدرة أغلب وزراءه على دعم توجهه في مكافحة الفساد ومواجهته، فإعادة توزير النائب محمد الجبري رغم ورود اسمه في حكم قضائي بأول درجة وأيدته محكمة الاستئناف، بشهادة موظفين من مكتبه، بتوقيعه شهادة خبرة غير مستوفية الشروط لموظف بناء على ضغط من النائب د. محمد الحويلة أولى مؤشرات عدم الجدية في مواجهة الفساد.
أهنئ سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح على الانتهاء من تشكيل حكومته، وأعتقد أنه أخذ الوقت الكافي لتشكيل الفريق الوزاري الذي يرغب فيه، وهو شخصيا سيتحمل مسؤولية هذه الاختيارات ونتمنى له التوفيق في أن ينجح بمواجهة التحديات التي تواجه الحكومة والشعب الكويت
-١— مرزوق الغانم (@MarzouqAlghanim) December 17, 2019
ومن جانب متصل، في توزير النواب، يبرز اسم وزير الدولة لشئون الخدمات ووزير الدولة لشئون مجلس الأمة مبارك الحريص، فهو متهم بالاشتراك في جريمة انتخابات فرعية، ورفض مجلس الأمة الحالي طلب النيابة العامة لرفع الحصانة البرلمانية عنه فحفظت القضية لأسباب الحصانة وليس البراءة، وهذا ثاني مؤشرات عدم الجدية.
هذه النماذج النيابية التي ضمها التشكيل الوزاري تضع علامات استفهام حول قدرة الحكومة على لعب دورا في مكافحة الفساد، وليس بالضرورة هنا المقصود الجانب المالي منه، فشق الفساد الإداري لا يقل خطورة على منظومة الأجهزة التنفيذية، [inlinetweet]فأغلب تجارب توزير النواب انتهت الى تجاوزات جسيمة هدفت الى تحقيق مكاسب انتخابية[/inlinetweet].
ملفات معلقة
وعلى صعيد آخر، هناك ملفات لا زالت معلقة لأسباب سياسية كفيلة بإبعاد الوزراء المعنيين بها عن أي تشكيل وزاري يهدف فعلا الى مكافحة الفساد، فعلى سبيل المثال فإن وزير الصحة – العائد الى الحكومة بذات المنصب – د. باسل الصباح شكل لجنة تحقيق منذ مارس ٢٠١٩ في شكوى مقدمة من أطباء في المجلس الطبي العام عن تدخل بعض أعضاء في مجلس الأمة لإصدار قرارات طبية غير صحيحة، والى اليوم لم تعلن نتائج التحقيق رغم خطورة الشكوى ودلالتها على تدخلات النواب وضغوطاتهم.
ولا يختلف الوضع كثيرا مع وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية د. فهد العفاسي، فهو المسؤول سياسيا عن هيئة مكافحة الفساد ويشرف على أعمالها، وخلال فترة توليه الوزارة منذ ديسمبر ٢٠١٧ لم تحقق الهيئة نجاحا ملموسا في محاربة الفساد، بل أن العديد من القضايا التي طرحت إعلاميا لم تشهد تفاعلا جديا إلا بعد ضغوط سياسية وشعبية، ولعل أهمها ما تم تداوله عن شراء نائب عقارات بملايين الدنانير، وما أثير حول صفقة عقارية لنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية السابق الشيخ خالد الجراح في الولايات المتحدة، إذ لم تتحرك الهيئة من تلقاء نفسها، ولا تزال تلك القضايا وأخرى بعيدة عن الشفافية في التعامل معها، وهذا السلوك لا يمكن أن يدعم أي توجه حقيقي لمكافحة الفساد.
النصب العقاري
والغموض في التعاطي مع الملفات التي تحمل شبهات فساد لا يتوقف عند حدود هيئة مكافحة الفساد، فأحد الملفات الكبرى والتي أثارت الشارع الكويتي هي قضية النصب العقاري التي تقع مسؤوليتها تحت وزير التجارة والصناعة خالد الروضان، فهذا الملف الذي يحوي مئات الشكاوى من المواطنين أحيل الى النيابة العامة إلا أن الأخيرة أعادته الى الوزير “بسبب نقص البيانات وعدم وجود ما يكفي من أدلة على وجود جرائم في الأوراق المحالة”، وذلك قبل أكثر من سنة تقريبا، والى اليوم لم يتبين أو يتضح ما هي الإجراءات اللاحقة التي اتخذها الوزير الروضان ومدى جديته في التعامل مع الملف.
توزير أسيري
أما د. غدير أسيري، وزير الشؤون الاجتماعية، فهي حالة فريدة من نوعها أمام رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد، فالتهديد النيابي باستجوابه بناء على آراء طرحتها الوزيرة منذ سنوات وقبل توليها المنصب يمثل فساد تشريعي في استخدام الأدوات الدستورية يستوجب على الخالد التصدي له، وفي المقابل فإن بيان نفيها لما نسب لها من تغريدات صحيحة ومؤكدة للحفاظ على الحقيبة الوزارية فساد سياسي يفرض على الخالد أيضا إعادة النظر في استمرارها.
إلى الاخ الفاضل رئيس الوزراء..
لك فرصة إلى جلسة القسم لنزع فتيل أزمة في بداية مشوارك..ان أقسمت الوزيرة المذكوره ادناه في الجلسة..
سأتقدم مباشرة باستجواب لك بتعريض مصالح البلاد والعباد للخطر.. pic.twitter.com/kCDj4Hkds8— محمد براك المطير (@MBALMUTAIR) December 17, 2019
يدرك سمو الشيخ صباح الخالد أن عمر حكومته الأولى قصير جدا، ولا يمكن لها أن تحقق هدفه الأساسي في مكافحة الفساد، فما عجزت عنه الحكومات منذ بداية العهد الدستوري في الدولة لا يمكن أن يتحقق في غضون أشهر قليلة، والمسار التصاعدي للفساد في الأجهزة الحكومية لن يتراجع بمجرد ابداء الرغبة والإعلان عنها إعلاميا، إلا أن هذه [inlinetweet]المعطيات ليست أسباب كافية يبرر بها صورة حكومته، فالانطباع الأول هو الأساس والأخير[/inlinetweet].
ويدرك رئيس الوزراء أيضا أن [inlinetweet]الفساد التشريعي ومصالح بعض أعضاء مجلس الأمة تمثل جزءا رئيسيا من منظومة الفساد في الدولة[/inlinetweet]، وهي الأقوى حاليا سواء على المستوى الإداري أو المالي أو حتى في سن القوانين الشعبوية ذات الكلفة المالية والمصلحة الانتخابية، فمعركته مع الفساد على مستويين، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، [inlinetweet]فهل هذا التشكيل الذي يمكن أن يحارب به ومعه الفساد ويعاونه؟![/inlinetweet]
نسخة PDF: حكومة صباح الخالد ومكافحة الفساد .. شكٌ يغلب اليقين