تدور الأحاديث في الكويت حول وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على تغيير المسارات السياسية والنيابية، وقدرتها على خلق القضايا وتبنيها أو تسطيحها، وترى السلطتان التشريعية والتنفيذية أن الحسابات الوهمية أو الشبكات الإخبارية أصبحت هاجسا مزعجا لا سيما بعد دخول العديد من الجهات والأطراف على خط توجيه الرأي العام.
تتشارك الكويت ومعظم الدول الحرة والحرة جزئيا في الإعلام القلق من خطورة تزوير الإرادة الجماهيرية الحقيقية عبر جيوش الكترونية منتحلة للمواطنة، وتنامي استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الشخصية المتاحة لخلق بيئة غير واقعية لتوجهات العامة يكون لها أثر على القرار السياسي، فقد عانت الولايات المتحدة الأمريكية في انتخابات الرئاسة – بحسب الادعاءات – من تدخل روسي دعم الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في توجيه التصويت على الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي.
فإن كانت تلك الدول المتقدمة تكنولوجيا وفي مجالات الأمن السيبراني والاستخباراتي عجزت عن التصدي لما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي وآثاره، كيف ستنجح دولة من العالم الثالث في الحد من التدخل الإلكتروني في توجيه الرأي؟
مسارات التعامل
هناك عدة مسارات رئيسية في تعامل الدول مع شبكات التواصل الاجتماعي، الأول التضييق على الشركات المشغلة لتلك المنصات عبر الزامها بتشديد الرقابة على الحسابات الوهمية والتي تنشر خطابات الكراهية والعنصرية، والثاني فيتجه مباشرة الى المستخدمين عبر سن قوانين تفرض عليهم شروط وقواعد صارمة للاستخدام وبما ينشر، أما الثالث والأخير فهو يستهدف الشركات والمستخدمين على حد سواء عبر منع المستخدمين من النفاذ الى الشبكات وحجبها تماما.
يتضح من المسار الأول، وتسير فيه أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، أن العقوبات الجزائية والغرامات المالية موجه الى الشركات وتحملها مسؤولية الرقابة وإلغاء وتوقيف الحسابات الوهمية والمسيئة، فلا تلاحق الحكومات الأفراد بل المنصات الإلكترونية، وهو ما أجبر الشركات على تحديث سياسات الاستخدام وتوظيف الآلاف لمتابعة ما ينشر على منصاتها.
ولقد اقترحت الحكومة الاسترالية قانونا يجيز لها حبس المسؤولين التنفيذيين بمواقع التواصل الاجتماعي الى ثلاث سنوات وتغريم شركاتهم ١٠ بالمئة من العائدات اذا أخفقت في إزالة المحتوى السيء سريعا من منصاتها، وسبق لألمانيا أن أقرت قانونا مشابها يلزم تلك المواقع باتخاذ إجراءات سريعة لإزالة المواد غير القانونية والأخبار الكاذبة خلال ٢٤ ساعة، وتصل فيه الغرامات الى ٥٠ مليون يورو.
دول الخليج العربي
أما المسار الثاني، وتسعى لتطبيقه دول العالم الثالث والكويت جزء منها، فيستهدف المستخدمين بشكل مباشر بالعقوبات الجزائية تصل الى السجن، وقد شرعت دول مجلس التعاون العربي – الإمارات والسعودية وقطر والبحرين والكويت وعمان – قوانين جرائم تقنية المعلومات، وتتشابه الى درجة التطابق في تجريم ما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي لتلك الدول.
وفي مصر فقد صدر قانون مراقبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتيح للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمتابعة ومراقبة كل موقع ومدونة وحساب الكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف وأكثر، وقد دخل حيز التنفيذ في سبتمبر من العام الماضي.
ولكن ذلك لا يعني أن تلك الدول بعيدة عن استخدام الحسابات الوهمية والزائفة في خدمة توجهاتها داخليا وخارجيا، فقد أعلنت “فيسبوك” عن ضبط شبكة من تلك الحسابات لترويج مواد دعائية للسعودية ومهاجمة خصومها في المنطقة، وفي الكويت أيضا كشفت تحقيقات أمنية مع عدد من الحسابات عن ضلوع شخصيات حكومية ونيابية في دفع الأموال لها لذات الأهداف.
الأنظمة المتفردة
المسار الثالث تميزت به الدول ذات الأنظمة المتفردة بالحكم، ومنها روسيا وإيران والصين اللاتي تحجب النفاذ الى شبكات التواصل الاجتماعي وتجرم عملية الدخول عليها، وهو ما يمكن اعتباره عقوبات موجه الى الطرفين، المنصات والمستخدمين، أما تركيا فقد حجبت المنصات عن مواطنيها في أحداث سياسية بارزة مثل محاولة الانقلاب وبعد نشر صور لقاض تم اغتياله وذلك لدواعي أمنية.
قصور تشريعي محلي
وعودة الى الكويت التي لا تزال ترى في قوانينها القائمة قصورا لا يمكنها من السيطرة على المحتوى المنشور في مواقع التواصل الاجتماعي، فتتجه السلطتان التشريعية والتنفيذية الى سن قانون لمواجهة الحسابات الوهمية ، ففي مطلع العام الحالي ناقش مجلس الأمة الحسابات الوهمية وانتهى الى تكليف الحكومة تقديم تقريرها بشأن الإجراءات المتخذة حيالها.
ونشرت جريدة “الجريدة” تقريرا عن توجه الحكومة لتقديم قانون يجرم الحسابات الوهمية في الكويت وضع ضوابط لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ولم تنف الحكومة الخبر، ويبدو أنه التوجه الأقرب.
من غير المتوقع أن تكون المسارات التي تحاول الكويت المضي بها لمكافحة الحسابات الوهمية ورقابة المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي ذات جدوى، إذ من المؤكد أن غالبية الحسابات تدار من الخارج، والقائمين عليها ليسوا مواطنين كويتيين وهو ما يعني فعليا عدم سريان القوانين المحلية عليهم.
خلق ثغرات
ويتضح ذلك أكثر في سلسلة التشريعات التي وضعتها السلطتان في مواجهة شبكات التواصل الاجتماعي، قانون الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، قانون الإعلام الإلكتروني وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فجميعها لم تغير من السلوك الدائر في المنصات الالكترونية، بل دفعت المستخدمين الى خلق ثغرات وأساليب مبتكرة تمكنهم من الاستمرار في إدارة الحسابات الوهمية وبث الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية.
وهو ما يدفع الحكومة والبرلمان للبحث عن أفكار قانونية جديدة لملاحقة تلك الحسابات، ولكن كثرة التشريعات، وخاصة الموجهة ضد الأفراد، باتت أقرب ما تكون لحبل المشنقة على حرية الرأي والتعبير والإعلام في الكويت، ولم تحقق الأهداف المرجوة منها إذ أن التكنولوجيا متطورة وآليات الاستخدام متغيرة وقادرة على تجاوز القوانين.
قد يكون مسار الدول الأوروبية هو الأفضل للكويت، ويتماشى أكثر مع دستورها الذي ينص على حماية حرية الرأي، وطالما أن منصات التواصل الاجتماعي تتعرض لضغوط دولية، فإن دخول الكويت على خط إلزام الشركات بإزالة أي محتوى مخالف ومكافحة الأخبار الزائفة هو الطريق السليم.
وفي كل الأحوال، وأيا كان مسار الدولة في هذا الصدد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل الحكومة منزعجة فعلا من الأخبار الكاذبة والإشاعات؟ أم أن الحقائق والمستندات التي تدين مسؤولين وتكشف حالات فساد هو ما تريد الحكومة السيطرة عليه؟ وأخيرا وليس آخرا، هل المكافحة ستكون وفق مسطرة واحدة على الجميع أم الانتقائية ستكون عنوان لتحركها؟
نسخة PDF: منصات التواصل الاجتماعي والحسابات الوهمية في الكويت .. صراع بين الحرية والرقابة
