دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > الاستجوابات النيابية .. الحكومة تعيد رسم فلسفة الرقابة البرلمانية

الاستجوابات النيابية .. الحكومة تعيد رسم فلسفة الرقابة البرلمانية

انتهى استجواب آخر من عمر الفصل التشريعي الخامس عشر لمجلس الأمة الكويتي في دور انعقاده الثالث وقبل الأخير دون ان يحقق أي مفاجآت تذكر، فطوى صفحته تاركا خلفه علامات استفهام كثيرة عن واقع العمل السياسي وكفاءة الأداء النيابي وفعالية الأدوات الرقابية البرلمانية، ومدى سيطرة الحكومة على قرارات النواب بقاعة عبدالله السالم وتوجيهها.

 فقدان البريق السياسي

تغييرات عديدة طالت عملية الرقابة النيابية في السنوات الأخيرة وتحديدا أداة الاستجواب مما أدى الى فقدانها البريق السياسي والحماسة الشعبية تجاهها، وإن كان نظام الصوت الواحد الانتخابي له أثر كبير في تفكيك المجاميع النيابية ألا أنه يشكل سبب من عدة أسباب اضعفت من الأداة الأشد في النظام الدستوري.

لقد تلاشى التنسيق النيابي بين أعضاء مجلس الأمة قبل تحريك وتفعيل أداة الاستجواب ، فالمشاورات والتفاهمات فيما بينهم كانت تخلق جبهة قوية موحدة أمام الحكومة والوزراء، وترجح كفة الميزان لصالحهم في أي مفاوضات قد تسبق الاعلان عن استجواب أو ما بعده بتقديم طلبات طرح الثقة او عدم التعاون.

جدوى الرقابة البرلمانية

علاوة على ذلك، فإن عمليات التسويق الاعلامي والشعبي للاستجوابات تلاشت تماما رغم اتساع مساحة الاعلام الالكتروني وانتشاره، فغابت الندوات السياسية تماما واختفت اللقاءات الشعبية، وما كان سلاحا لدى النواب في تجييش الشارع وحشده لصالحهم للضغط على النواب المترددين وارهاب الوزير والحكومة لم يعد ذو قيمة، ونعزو ذلك الى عدة أمور: أولا قناعة المواطنين بعدم جدوى الرقابة البرلمانية لضعف أغلبية النواب وفقدان الثقة بهم في المجلس الحالي، وثانيا غياب القضايا الحقيقية المستحقة وتكرار أغلب المحاور واعتمادها على بيانات وتقارير ديوان المحاسبة، أي أن معظم ما يطرح مستهلك سياسيا وبلغ مستوى التشبع لدى المواطنين، وأخيرا المحاولات المستمرة  لربط وحدة الجبهة الداخلية واستقرارها بالاستجوابات في ظل الوضع الخليجي والإقليمي المتوتر.

وعلى صعيد النواب، فإن المصالح الخاصة والانتخابية والطائفية والقبلية والفئوية لعبت دورا هاما في اضعاف الاستجوابات ، ولا تعفى المجالس السابقة من المسؤولية أيضا، فالمواقف تحكمها اعتبارات خارجة عن نصوص المحاور والأدلة، ولم يعد اظهار التأييد للوزير المستجوب أمرا معيبا ، بل على العكس من ذلك فإن تراخي النائب في الدفاع عنه مدعاة لخسارته موقعه السياسي وكرسيه النيابي، ويعمل جاهدا لكسب النواب لصف الوزير أو على الأقل تحييدهم.

كما أن افشال النواب المستجوبين يمثل هدفا لنجاح نواب آخرين لا سيما ان كانوا في نفس الدائرة الانتخابية، أو يحملون فكرا سياسيا متناقضا، كالتيارين الليبرالي والإسلامي، وهناك جانب آخر يتمثل في الاستفادة التي من الممكن تحقيقيها من بعض من يفترض بهم أن يكونوا قضاة سياسيين، معاملات غير قانونية أو مناصب قيادية وغيرها.

حماية الحكومة

كل تلك العوامل، التي خلقت بعضها الظروف السياسية والانتخابية وصنعت الحكومة بعضها الآخر ، نقلت أداة الاستجواب من مقدمة أدوات الرقابية البرلمانية الى المؤخرة، ومن وسيلة كانت قادرة على اسقاط الحكومة الى وسيلة لحمايتها واعطاءها شرعية الاستمرار والبقاء، وهو اتجاه مرحب به من قبل السلطة التنفيذية طالما بقي تحت سيطرتها.

ليست قدرات الوزراء في المرافعات عاملا رئيسيا في تجاوز الاستجوابات الموجهة لهم ، ولا ضعف النواب المستجوبين سببا في فشل اسقاط الوزراء، فهناك استجوابات بمحاور مستحقة وقضايا رئيسية، بيد أن الفلسفة العامة في مفهوم الرقابة البرلمانية تغيرت، فالدوافع الوطنية المحركة لأي مسائلة تلاشت واندثرت أمام اللعبة السياسية والانتخابية بكل ما فيهما من تفاصيل طائفية وقبلية وفئوية ومصلحية.

الضرر المستقبلي

في الواقع، كل الأطراف المشاركة (الحكومة والنواب) في تلك الدائرة الجديدة رابحه رغم ضررها المستقبلي على العمود الفقري لنظام الحكم الديمقراطي في الدولة، لذا فهي مستمرة وآخذه أكثر في الترسخ خاصة بعدما نجحت الحكومة في السيطرة على مفاتيحها وادارة دفتها، أما الخاسر الوحيد هو من تقرر الحكومة التضحية به من الوزراء بقرارها وتوقيتها ، فالنائب المستجوب يضيف لسيرته الانتخابية تفعيله لأداة الرقابة، والنواب المدافعين عن الوزراء للأسباب المذكورة سابقا حققوا نقاط انتخابية او مصلحية، اما الحكومة فهي مستمرة شكليا وان كانت باطنيا غير صالحة للاستمرار.

نسخة PDF: الاستجوابات النيابية .. الحكومة تعيد رسم فلسفة الرقابة البرلمانية