مع تصاعد التوتر في المنطقة، والتصريحات الامريكية الإيرانية المتبادلة باتجاه الحرب تارة والتفاهم تارة أخرى، عقد مجلس الأمة الكويتي جلسة سرية لمناقشة استعدادات الحكومة لمواجهة أي طارئ وكيفية التعامل مع احتمالات أي تصعيد عسكري في منطقة الخليج العربي، وذلك بناء على طلب نيابي.
لغة الحرب
ورغم تراجع حدة الخطاب العسكري ما بين طرفي المواجهة الأمريكي الإيراني في الأيام الماضية وإبدائهما الرغبة في الحوار، إلا [inlinetweet]أن لغة الحرب خيمت على أجواء الجلسة البرلمانية ونتائجها[/inlinetweet]، فيقول رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أن ما عرضه الوزراء في الجلسة “يفيد بأن احتمالية الحرب في المنطقة كبيرة وعالية”، أما نائب وزير الخارجية خالد الجارالله فذكر في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية في اليوم ذاته وعقب الجلسة أن “الوضع الإقليمي الملتهب يدعو الى القلق واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر“.
لم تتوفر الكثير من المعلومات من الجانب الحكومي عن الجلسة التي عقدت بسرية بناء على طلبها، باستثناء ما ذكره نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح عما استعرضه وزراء التجارة والكهرباء والنفط والصحة والإعلام لاستعدادات وزاراتهم للتعامل مع أي حدث في المنطقة.
غياب لافت
إلا أنه من اللافت أن جلسة بهذا المستوى والموضوع والسرية، [inlinetweet]يغيب عن حضورها رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، ولا يناقش فيها وزيري الدفاع والداخلية استعدادات أجهزتهم الأمنية[/inlinetweet]، لا سيما وأنها تمثل خط الدفاع الأول داخليا وخارجيا، وقد يكون ذلك لعدم وجود خطر حقيقي على الدولة، أو عدم رغبة الشيخ ناصر الصباح الذي ترك الجلسة عقب ساعة من انعقادها واكتفى بالتصريح للصحفيين عند سؤاله عقب خروجه من الجلسة بالقول” إن شاء الله خير وكل الأمور بخير”، والشيخ خالد الجراح الدخول في نقاش مع النواب، ويبقى [inlinetweet]هناك احتمال ضئيل وهو المحافظة على سرية الإجراءات الأمنية من النواب أيضا نظرا لحساسيتها[/inlinetweet].
فهل كانت جلسة حقيقية تعكس واقع ما تمر به المنطقة من أحداث، وجدية لمناقشة الملف؟ أم أنها [inlinetweet]جلسة دوافعها سياسية لحماية الحكومة من التصعيد النيابي في المستقبل ولضمان استمرار السلطتين برئيسيهما؟[/inlinetweet]
أما على المستوى النيابي، فإن تصريحات أعضاء مجلس الأمة عقب الجلسة لم تحمل أيضا الكثير من المعلومات كما قال النائب الحميدي السبيعي “المعلومات التي يعرفها رجل الشارع أكثر من المعلومات التي ذكرتها الحكومة في الجلسة السرية”، باستثناء ما ذكره النائب محمد المطير في حسابه على تويتر بأن الجلسة لم يذكر فيها أي احتمال لنشوب حرب في المنطقة، وهذا التصريح يأتي مناقضا لما ذكره الغانم الذي يؤيده النائب فيصل الكندري حين ذكر “إننا أمام طبول حرب تقرع ومنطقتنا لن تكون بمنأى عنها والوضع جدا ملتهب وخطير”، أما بقية النواب فكانت تصريحاتهم تقليدية بتحصين الجبهة الداخلية وإبقاء المواطنين على اطلاع على التطورات.
حروب أجنحة الأسرة
[inlinetweet]المواقف النيابية لم تتطرق الى جانب لا يقل أهمية عما سبق، حروب أجنحة الأسرة[/inlinetweet]، فإن غفلوا عنها سهوا فتلك مصيبة، وإن كان تعمدا فالمصيبة أعظم، فالدولة تعيش حروب شبه علنية بين أجنحة الأسرة الحاكمة تتوارثها أجيالهم، وتعاني من تصدعات حادة خلفتها الصراعات المتتالية فيما بين الشيوخ الساعين للوصول الى المناصب الحاكمة متمثلة في مسند الإمارة وولاية العهد ورئاسة الوزراء، ولا شك أن [inlinetweet]استقرار الدولة له أكثر من اتجاه، واستقرار الأسرة الحاكمة أحد أوجهها[/inlinetweet]، لا سيما في المشهد السياسي الكويتي الذي تأثر كثيرا في السنوات الأخيرة بمعارك الشيوخ فيما بينهم، مما ترتب عليه اصطفافات شعبية، وولاءات نيابية تحكمها المصالح، وانعكس ذلك في توتر العلاقة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل ما هو أسوء من ذلك أن التوتر أصاب الحكومة من الداخل بين الوزراء، والبرلمان ما بين نوابه.
تطور صراع الأجنحة في الأسرة الحاكمة كثيرا في السنوات الماضية، وأخذ أبعادا أكثر خطورة، فما كان صراع بين جناحين رئيسيين – الأحمد والسالم – تحول الى صراع بين مجاميع وخلق تكتلات داخل العائلة، سمو الشيخ ناصر المحمد، سمو الشيخ جابر المبارك، الشيخ ناصر صباح الأحمد، الشيخ أحمد الفهد، ولكل منهم مؤيدون من داخل الأسرة وخارجها من إعلام ونواب وتجار وتيارات سياسية وأدوات أخرى.
بيان مجلس الأمة
مواجهة الكويت لطوارئ المنطقة وأحداثها، وهي الدولة التي تملك برلمانا وحريات جزئية، يجب ألا تقف عند حدود المواد الاستهلاكية والصحية، أو حصر المدد التي يمكن لمخزون النفط أن يكفل استمرار الحياة فيها في حال تعطل منافذ الاستيراد البحرية والجوية والبرية، [inlinetweet]فالمجتمع المفكك ما بين انتماء طائفي وقبلي وفئوي، يسير معه في طريق مواز تفكك الأسرة الحاكمة[/inlinetweet]، والتي يفترض أن تمثل صمام الأمام في الأزمات.
لعل الدعوات النيابية والحكومية في التكاتف والوقوف خلف أمير البلاد في ظل الأوضاع الراهنة مستحقة، ولكن ينقصها جانب حسم صراعات الأسرة الحاكمة، فكم من استجواب يقف خلفه نواب؟ وكم من وسيلة إعلامية – تقليدية كانت أو الكترونية – تهاجم آخرا بناء على تعليمات وتوجيهات؟ وهل يدرك الشيوخ أنهم جزء من المجتمع وتكاتفهم لا يقل أهمية عن تكاتف المجتمع؟ فهل يتدارك النواب هذه الجزئية المهمة في بيانهم المرتقب؟ ويتحرك كبار الأسرة لتوحيد صفها أسوة بمطالبة توحيد الصف الوطني؟
نسخة PDF: أين حروب أجنحة الأسرة الحاكمة من جلسة “الطوارئ” النيابية الحكومية؟