لعل أهم ما جاء في استجواب وزير التجارة والصناعة خالد الروضان ما أُعلن عنه عقب الجلسة، فلا مرافعة الوزير كانت محل اهتمام ولا ادلة المستجوبين الحميدي السبيعي ومبارك الحجرف محل مبالاة، فقد اتجهت الانظار الى ما أعلن عنه عددٌ من النواب عن تحركات وزير ضد زميله المستجوَب، فكان هذا التصريح كفيلاً بخلق معركة داخل البيت الحكومي، وأخرى بين النواب بعضهم البعض بعيدا عن صحيفة الاستجواب.
فقد انشغلت الساحة الإعلامية والشعبية بحثا عن الوزير المقصود، فقيل أنه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ خالد الجراح تارة، وتارة أخرى أن المقصود هو نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح، أما الملعب النيابي فكان يعيش صراعا محتدما بعدما اعتبر مؤيدو الاستجواب تصريحاتهم زملائهم المعارضين له طعن وتشكيك بهم.
النيران الصديقة
لعل النيران الصديقة الأكثر ضررا التي أصابت الروضان لم تأتِ من الوزراء – إن صحت المعلومات – بل دفاع النواب عبدالوهاب البابطين ومحمد هايف ود. عادل الدمخي عنه كان أكثر ضررا على الوزير إذ وضعه في موقف صعب داخل الحكومة وبين النواب.
لن اقبل ان اكون حطبة دامة بيد تاجر يريد أن ينتقم لأجل مصالحه الخاصة و لا وزير في الحكومة أطلق نيرانه من وراء ساتر للاطاحه بزميله، ناهيك عن تفنيد الوزير الروضان لمحاور الاستجواب بشكل واضح و جلي و عليه أعلن عدم تأييدي لطرح الثقة بوزير التجاره#استجواب_الروضان
— عبدالوهاب البابطين (@WahabAlbabtain) March 19, 2019
لا شك أن الروضان سعى لتدارك الأمر بشكل داخلي مع الوزراء المتهمين بالعمل ضده والتأكيد على حصوله على دعمهم له، إلا أنه لن يكون قادرا على الإعلان عن ذلك مبكرا وقبل جلسة التصويت على طرح الثقة المقررة غدا الأربعاء حتى لا يتعرض لخسائر غير متوقعة في معسكر النواب الداعمين له، لا سيما الصقور منهم عبدالوهاب البابطين ومحمد هايف، فهم من تبنى تلك المعلومات وأي تشكيك بها من قبل الروضان سيضعهم في موقف محرج سياسيا وشعبيا قد يؤدي الى انتقالهم الى المعسكر الآخر، هم وآخرون.
عادل الدمخي: الروضان من أنشط الوزراء في خدمة الشباب.. وهناك من هو مستفيد من الاستجواب مع احترامي للمستجوبين
#استجواب_الروضا#الحرير_نيوز pic.twitter.com/oUpF0WgP0z— الحرير News (@ALHRERNEWS) March 19, 2019
يدرك الوزير أن عبوره جلسة طرح الثقة أمر محسوم، إلا أنه لا يرغب أن تتجاوز الأصوات المؤيدة للطلب عدد الموقعين عليه حتى يشعر بنشوة الانتصار ، وهو ما يعقد المعادلة أكثر ويجبره على ترحيل ترميم الأضرار التي تسببت بها تصريحات النواب الى مرحلة لاحقة وبعد أن تهدأ الأجواء السياسية ، بيد أن الوقت لا يخدم الوزير كثيرا، فهو إزاء اختبار أمام مجلس الوزراء، اختبار غير مباشر، هل يدافع عن زملائه من تشكيك النواب ويؤكد على مبدأ التضامن الحكومي؟ أم يقدم مصلحته السياسية الفردية ويلتزم الصمت للحفاظ على التأييد النيابي؟
صمت الحكومة
أما الحكومة فهي بين سندان الروضان ومطرقة المستجوبين، الأمر الذي دفعها الى التزام الصمت والهدوء في المرحلة الحالية للخروج بأقل خسائر ممكنة، فالنفي سيهزمها والتأكيد يكسرها، ولكنها تعلم تماما أن الأزمة الداخلية التي خلقتها تصريحات النواب قابلة للتطور مع مضي الوقت، لا سيما وأن تلك المعلومات النيابية – إن صدقت – من شأنها أن تزعزع الوضع بين أعضاء الحكومة، وتهز من ثقة الوزراء فيما بينهم.
من المرجح أن تتحول جلسة التصويت على طرح الثقة الى جلسة محاكمة نيابية نيابية ، فتصريحات النواب عبدالوهاب البابطين ومحمد هايف وعادل الدمخي وضعت المستجوبين، ومن وقع على طرح الثقة في دائرة التبعية لتاجر أو وزير، وهو ما سيدفعهم مع المؤيدين للطلب الى رفع سقف الخطاب تجاه الحكومة من جانب، ومن جانب آخر لإحراج النواب الآخرين ودفعهم لتسمية الوزير المقصود أو التاجر، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال المقابلة التي أجراها النائب الحميدي السبيعي من يومين، فقد أعطت مؤشرا مبكرا لما ستكون عليه قاعة عبدالله السالم، لذا لا يتوقع أن تشهد الجلسة نقاشا حول محاور الاستجواب .. بل صراعا يستكمل ما بدأته الأحداث بعد الاستجواب .
إشاعة نواب
يتذكر السياسيون واحدة من أشهر التصريحات النيابية في تاريخ البرلمان، حين قال النائب سيد عدنان عبدالصمد جملته الشهيرة تعليقا على استجواب النائب السابق عباس الخضاري لوزير الأوقاف والشؤون الاسلامية الأسبق أحمد الكليب “حكومة تستجوب حكومة”، فكانت النتيجة حل مجلس الأمة حلا دستوريا في مايو ١٩٩٩، فهل نحن فعلا أمام حالة جديدة مشابهة؟ أم قصة اختلقها الوزير لكسب تعاطف وتأييد أعضاء مجلس الأمة؟ أم إشاعة أطلقها بعض النواب كشماعة لتبرير وقوفهم مع وزير التجارة والصناعة؟
نسخة PDF: الروضان واتهامات النواب للوزراء: إشاعة مطلوبة أم حقائق مقصودة؟
