دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > الحكومة في مواجهة الفساد: اختبار آخر لا يحتمل سقوطاً جديداً

الحكومة في مواجهة الفساد: اختبار آخر لا يحتمل سقوطاً جديداً

تسعى الحكومة الكويتية في الآونة الأخيرة الى إعادة ترميم صورتها أمام الشارع الشعبي والنيابي عبر سلسلة إجراءات لمواجهة الفساد المستشري في أجهزتها، إلا أنها أمام مهمة أقرب ما تكون الى المستحيلة، [inlinetweet]فالهوة التي خلقها الفساد طوال السنوات الماضية وغياب الشفافية والمحاسبة أعمق مما يمكن ردمه[/inlinetweet] ببعض الإجراءات والقوانين.

 حالة الفساد

وما يزيد من مهمة الحكومة تعقيدا – ان كانت جادة – يقينها أن [inlinetweet]جزءا كبيرا من حالة الفساد التي تعيشها الدولة مرتبطة بأطراف من داخلها وخارجها، وقوى متنفذه من شيوخ وتجار[/inlinetweet] لا يمكن مواجهة أدواتهم المتعددة، أما الجزء الآخر فله علاقة بأعضاء مجلس الأمة ومتطلبات استقطابهم لبناء كتلة برلمانية داعمة لها في البرلمان، ولا يمكن تجاوز شراكه الشعب في هذه الحالة، أي أن مكافحة الفساد عملية من شأنها تهديد استقرار الحكومة سياسيا.

لقد [inlinetweet]أصبح الفساد في الدولة جزءا من العملية السياسية، والمتضررين من مكافحته أكثر من المستفيدين من القضاء عليه[/inlinetweet]، فكيف يمكن للحكومة اليوم التعامل مع هذا الواقع القديم المتجدد؟ هل هناك رغبة جادة أم مجرد محاولات لتخفيف الضغط الشعبي والنيابي عليها؟ وما هو المدى الذي يجب أن تصل له الحكومة حتى ترمم علاقة الثقة مع المواطنين؟

قياس الأداء الحكومي في مكافحة الفساد ينقسم الى جانب تشريعي وآخر تنفيذي، وكلاهما مرتبطان ببعضهما البعض، [inlinetweet]فلا قيمة لقوانين دون تنفيذ، ولا قيمة لتنفيذ إن كان بانتقائية[/inlinetweet]، فتلك السلسلة متى ما اكتملت حلقاتها يمكن تقييم الأداء الحكومي في إعادة بسط قيم الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد في الدولة.

الجانب التشريعي

فعلى المستوى التشريعي، [inlinetweet]أخذت الحكومة زمام المبادرة في تقديم قانون حظر تعارض المصالح كأحد متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد[/inlinetweet]، وأقره مجلس الأمة في أبريل الماضي وصدرت لائحته في سبتمبر الجاري، كما أقر مجلس الوزراء مشروع قانون في شأن تنظيم حق الاطلاع على المعلومات وهو متطلب أممي لإرساء مبدأ الشفافية والنزاهة.

تلك الخطوات بالتأكيد لها أهميتها في إثراء المنظومة التشريعية لمكافحة الفساد، ولكن دخولها حيز التنفيذ هو الاختبار الحقيقي للحكومة، والاختبار الآخر [inlinetweet]أسس التطبيق فيجب أن تبدأ من الهرم وليس القاعدة حتى تكسب دعم الشارع قبل البرلمان[/inlinetweet]، وبما أن الحكومة هي من بادرت في تقديم تلك القوانين فالكلفة السياسية عليها أعلى إن تخاذلت .. ستكون السلطة التنفيذية تحت مجهر الرقابة، فإن نجحت فستقطع شوطا لا بأس به في مسار إعادة ترميم الثقة مع المواطنين، [inlinetweet]وإن فشلت فذلك يعني مزيدا من يأس المواطنين بالإصلاح، ومزيد من الانهيار للدولة[/inlinetweet].

خطوات تنفيذية

على الجانب التنفيذي، [inlinetweet]هناك خطوات اتخذتها الحكومة عبر تقديم بلاغات الى هيئة مكافحة الفساد ضد مسؤولين وموظفين في أجهزة حكومية[/inlinetweet] مثل بلدية الكويت ووزارات الصحة والأوقاف والشؤون ومؤسسة الموانئ الكويتية، وجميع تلك البلاغات أحيلت الى النيابة العامة مما يعطي انطباعا بجديتها.

كما أن [inlinetweet]هناك قضايا نجحت الحكومة فيها للفت انتباه المواطنين الى ما تعتبره جدية في مكافحة الفساد[/inlinetweet]، فقضية الاستيلاء على الأموال العامة بوزارة الداخلية، أو ما يعرف بـ ”ضيافة الداخلية“، ترتب عليها حجز ملاك فنادق وقياديين سابقين، وتمكنت من الحجز على المبلغ المستولى عليه والمقدر بأكثر من ٢٨ مليون دينار، مما حقق صدى ايجابي في الأوساط المحلية، وقبلها كانت قضية ”الشهادات المزورة“ في وزارة التعليم العالي، والإجراءات التي اتخذت تجاه تعديل اللوائح لسد الثغرات.

مخاوف مشروعة

لقد [inlinetweet]حصدت الإجراءات الأخيرة في القضايا السابقة دعما شعبيا ونيابيا كاملا رغم المخاوف بأن تنتهي الى لا شيء في القضاء[/inlinetweet]، وهي مخاوف “مشروعة” نظرا لتاريخ الحكومة في تقديم أدلة ناقصة أو إجراءات خاطئة قد تكون متعمدة في بعض الحالات، وهو ما يرمي كرة المسؤولية بملعبها لتبديد تلك المخاوف، ولتأكيد موقفها من جديتها في مواجهة الفساد.

نجاح الحكومة اليوم مرتبط بالأسس التي تضعها لمكافحة الفساد، فمهم جدا أن يكون التوجه ناتج عن قرار جماعي وليس فردي، ونهج حقيقي لا لاعتبارات سياسية “وقتية” أو في إطار معارك الانتقام من خصوم سابقين، [inlinetweet]وليس المطلوب اليوم القضاء الكامل على الفساد في الدولة خلال أيام أو أشهر، فتلك مهمة مستحيلة[/inlinetweet] لا يمكن أن تتحقق، ولكن أن تبدأ بخطوات جدية أفضل من أن تستمر بالوقوف في موقع المتفرج أو المتحرك على استيحاء .. لقد بدأت الحكومة خطواتها فهل تتعثر قبل أن تصل الى منتصف الطريق؟

نسخة PDF: الحكومة في مواجهة الفساد: اختبار آخر لا يحتمل سقوطاً جديداً