لا يزال قانون حظر تعارض المصالح ضمن عشرات التشريعات الكويتية المعلقة، فرغم صدوره رسميا من مجلس الأمة، ونشره في الصحيفة الرسمية بتاريخ ١٥ أبريل ٢٠١٨، وإعلان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المستشار فهد العفاسي عن تشكل فريق عمل متخصص يتولى إعداد اللائحة، إلا أن القانون لا يزال مجمدا رغم ان المادة ٢٠ منه نصت على العمل فيه من تاريخ نشره، ولائحته لم ترى النور حتى تاريخه علما أن المادة ١٩ نصت على صدورها بمرسوم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القانون، أي أن المهلة انتهت فعليا في ١٥ يوليو ٢٠١٨.
بالعودة الى جذور القانون، يتضح أنه مشروع حكومي أقره مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ ٥ فبراير ٢٠١٨ ورفعه الى مجلس الأمة، وصوت عليه بالإجماع – في مداولتين – في تاريخ ٦ مارس ٢٠١٨ بتوافق حكومي نيابي، ولكن ما الذي دفع السلطة التنفيذية الى تبنيه؟ هل أدركت الآثار الخطيرة التي خلفها الفساد بأنواعه بمؤسسات الدولة؟
التزام دولي
أجابت المذكرة الإيضاحية للقانون على التساؤلات السابقة بوضوح، فما دفع الحكومة ليس قناعتها بتفشي الفساد بأجهزتها، ولا ايمانها بوجود انحراف شديد في استغلال المنصب النيابي لتحقيق منافع مادية، ما دفعها هو التزام دولي فرضته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المنضمة لها الكويت ، أي أن الهدف خارجي لتحسين تصنيف الدولة في مؤشرات الفساد المتعددة، أما محليا فلم تعلم الحكومة إنها ارتكبت خطأ جسيما سيربك حساباتها السياسية.
تبين للسلطة التنفيذية أن قانونها سلب منها أحد الأدوات الفعالة في كسب بعض النواب والسيطرة عليهم عبر المناقصات والتعيينات والخدمات سواء لهم أو لقواعدهم الانتخابية، ولن تملك بعد إقراره ما قد تساوم عليه في المعارك السياسية، وأضراره لن تقتصر على علاقتها مع النواب، بل تمتد الى الوزراء والجهاز الإداري القيادي والإشرافي في الدولة وذلك بسبب طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية المتداخلة والمصالح الاقتصادية المتشابكة، مما يستوجب معه الإفصاح عنها أو يضعهم تحت طائلة المسائلة.
المصالح الانتخابية
أما على الصعيد البرلماني، فأدرك بعض النواب أن ما اعتبروه مكسبا نيابيا هو في حقيقته ضربة قاصمة لمصالحهم السياسية والانتخابية، فعلاقة أغلب أعضاء مجلس الأمة مع الحكومة تقوم على مبدأ تبادل المنفعة والمصلحة في الاستجوابات أو التصويتات ، أما ارتباطهم بقواعدهم فتنطلق من المعاملات والتعيينات والخدمات، وليس قناعة بدورهم التشريعي والرقابي أو مواقفهم السياسية إلا فيما ندر.
القانون، كما فسره خبراء دستوريون، أمثال أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي، رأوا أن توقيع الوزراء على طلبات ومعاملات النواب أمر يوقعهم – كلا الطرفين – في جريمة، وفق أحكام القانون .
استخدام سياسي
لم تحرص السلطتان على إنفاذ القانون، فإيمانهما به “شكلي” وليس “واقعي”، ويمكن القول إن “تعارض المصالح” ولد ميتا منذ لحظة التصويت عليه، فكلفة التشريع الجديد أكبر من أن تتحمله الحكومة وأعضاء مجلس الأمة، وهذا ما يفسر التجاهل النيابي التام لتفعيله، والتهاون الحكومي المطلق في تطبيقه، فمعظم جرائم القانون ترتكب علانية في قاعة عبدالله السالم واستراحة الوزراء ومبنى النواب وأروقة الوزارات.
لذا من المتوقع أن ينتهي “تعارض المصالح” الى سلاح قانوني يستخدم سياسيا لاستهداف الموظفين العامين بمن فيهم الوزراء والنواب، وعلى الأرجح لن يكون استخداما مثاليا موجها ضد الفساد، بل على النقيض، قد يكون سلاحا للانتقام وتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية .
