يستمر تداخل ملف الرياضة الكويتية مع المشهد السياسي بقوة، فما أن هدأت “مؤقتا” رياح الصراعات بعد رفع الإيقاف، حتى بدأت تلوح في الأفق ملامح نزاع جديد إثر تصريح رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الشيخ أحمد الفهد الصباح في إحدى القنوات التلفزيونية عن دور النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد في ملف الرياضة مما ساهم في رفع الإيقاف.
لقد [inlinetweet]تم تسويق الدور الذي لعبه ناصر الصباح بـ “الايجابي”، والداعم لبقاء واستمرار رئيس اللجنة الأولمبية الكويتية الشيخ طلال الفهد[/inlinetweet]، ونكاية برئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وبداية “مصالحة” بين أبناء الأسرة الحاكمة، فهل بدأ أبناء الشهيد، وتحديدا أحمد الفهد بإعادة رسم موقعه على الخارطة السياسية بشكل عام وداخل الأسرة بشكل خاص؟
انهاء العزلة
يدرك الشيخ أحمد الفهد أن عودته الى الساحة السياسية، و[inlinetweet]انهاء عزلته القسرية التي فرضتها عليه أحداث “بلاغ الكويت” تتطلب منه ترميم علاقته مع كبار الشيوخ[/inlinetweet]، وهي مهمة ليست بالهينة اليوم نظرا للخسائر الجسيمة التي تكبدتها الأسرة الحاكمة في السنوات الماضية نتيجة الصراعات التي يكون فيها الفهد طرفاوالتي طالت استقرارها، هيبتها، ترابط أبنائها، مكانتها السياسية والاجتماعية.
لذا، لم يملك الفهد حينها الكثير من الخيارات داخل الأسرة لإعادة بناء الجسور منذ تلك الأحداث، إلا بعد دخول الشيخ ناصر الصباح في اللعبة السياسية المؤهلة لمسند الإمارة، وأصبح الخيار الأنسب لعدة اعتبارات، فهو يمثل حلقة مهمة في تراتبية الحكم، والرجل الثاني في الحكومة، وأي تغيير على مستوى رئاسة الوزراء سيضعه على سدتها، كما أنه يحظى بقبول شعبي لا بأس به كونه عنصرا جديدا على الساحة السياسية يحمل مشروعا اقتصاديا واعدا.
كما أن علاقة الشيخ ناصر الصباح بابن عمه الشيخ ناصر المحمد، رئيس الوزراء السابق وأحد كبار الأسرة، وعلاقته برئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم يدور حولها الكثير من علامات الاستفهام والأحاديث، وتشير أغلب التقارير الى وجود خلافات بينهم، وهو ما يخدم مشروع الفهد كثيرا، فليس أفضل من وجود خصوم مشتركين يوحدون الطرفان ضدهم، ويقربهما من بعض.
ولا يعني ذلك وجود انسجام ما بين ناصر الصباح وأحمد الفهد، بل أن الأخير [inlinetweet]لن ينسى أن مهندس اعتذاره الشهير على شاشة الدولة الرسمية هو الشيخ ناصر حين كان وزيرا للديوان الأميري[/inlinetweet]، ولكن الفهد اليوم في موقع مختلف يتطلب معه تقديم بعض التنازلات لإنجاز مشروعه وفق مبدأ “عدو عدوي صديقي”.
بداية المشروع
ولكن من أين يبدأ أحمد الفهد مشروعه الجديد وكيف؟ يمكن اعتبار [inlinetweet]تصريحه “الرياضي شكلا والسياسي مضمونا” البداية الفعلية لمشروعه[/inlinetweet]، والمناسبة الجيدة لربط اسمه مع ناصر الصباح إعلاميا، ومحاولة خلق ثنائية جديدة داخل الأسرة الحاكمة تتمثل في شخصه وشخص الشيخ ناصر، أسوة بالثنائيات التاريخية داخل الأسرة، الأمير الراحل صباح السالم والأمير الراحل جابر الأحمد، ومن ثم الأمير الراحل جابر الأحمد والأمير الراحل سعد العبدالله، وحاليا أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد وولي العهد الشيخ نواف الأحمد، لقد كانت تلك ثنائيات ناجحة رغم بعض العقبات والصراعات التي رافقت عهودهم.
ومن المهم الإشارة هنا، الى أن فشل ثنائية رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد ورئيس الوزراء الحالي الشيخ جابر المبارك يقف خلفها بشكل رئيسي أحمد الفهد الذي نجح في إثارة قضية الايداعات المليونية والتحويلات الخارجية ضد المحمد مما ترتب عليه استقالته بعد فترة عصيبة من الاحتجاجات الشعبية.
و[inlinetweet]لن يعاني الفهد كثيرا في تسويق مشروعه، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يجيد لعبتها جيدا[/inlinetweet]، فلديه شبكة من الحسابات المؤثرة التابعة له أو القريبة منه، التي ستقوم بالدور الإعلامي المطلوب لتسويق فكرة الثنائية، والمصالحة وحل الخلافات داخل الأسرة الحاكمة، والتركيز على ضعف رئيس الوزراء الحالي وضرورة إقصاء الرئيس الغانم، بل أن أي انفراجات سياسية قادمة، لاسيما في ملفي الجناسي المسحوبة والعفو عن المدانين في قضية دخول المجلس، سيتم نسبها للثنائي “ناصر الصباح وأحمد الفهد” أسوة بما حدث في ملف الرياضة.
الفهد وصراعاته
لا يمكن الجزم بوجود ترتيبات فعلية وقائمة ما بين ناصر الصباح وأحمد الفهد للمرحلة المقبلة، ولا الأخذ بكل التسريبات الحالية وإن كانت تستحق المتابعة، وفي جميع الأحوال، فإن [inlinetweet]مكاسب الفهد إذا ما نجح في مشروعه ستكون كبيرة[/inlinetweet] تتمثل في: العودة الى مركزه السابق داخل الأسرة كرئيس وزراء قادم وحاكم مستقبلي، استعادة نفوذه في مؤسسات الدولة عبر تعيين المقربين والمحسوبين عليه وفق “كوتا” الشيوخ، اقصاء خصومه السياسيين وبناء كتلة نيابية أكبر تابعة له في البرلمان، وأخيرا تقبل الشارع الشعبي عودته لاعبا مؤثرا في الساحة المحلية.
ما يقوم به الفهد يدخل في إطار اللعبة السياسية “المشروعة”، تقديم تنازلات وبناء تحالفات وتفعيل أدواته النيابية والإعلامية، فهو ليس استثناء عن بقية أبناء عمومته أو الشخصيات السياسية التي مارست أدوارا مشابهة في مراحل مختلفة من التاريخ السياسي في الكويت، إلا أن [inlinetweet]الفهد قد يخرج عن الطريق، وتتحول دوافعه “المشروعة” الى نزعة “انتقامية”[/inlinetweet]، وهنا مكمن الخطورة بالعودة مجددا الى مربع الصراعات على النفوذ وكرسي الحكم.
[inlinetweet]ماضي الشيخ أحمد الفهد السياسي لا يعطي انطباعات جيدة، فعلاقاته مع رئيسي الوزراء السابق والحالي نتجت عنها أضرار جسيمة[/inlinetweet] لكل الأطراف بما فيها الأسرة، و[inlinetweet]لم يتوان باستخدام أدواته بصورة انتقامية وشرسة جدا ضدهما عندما استدعى الأمر[/inlinetweet] وشعر بخسارته، فقضية الإيداعات المليونية ضد الشيخ ناصر المحمد يقف هو خلف تسريبها إعلاميا – كما يتداول-، ورغم استقالة المحمد من رئاسة الوزراء استمر الفهد في ملاحقته عبر قضية التسجيلات ورشاوى القضاة وغسيل الأموال فيما يعرف بـ “بلاغ الكويت”.
أما [inlinetweet]رئيس الوزراء الحالي الشيخ جابر المبارك فعانى كثيرا، ولا يزال، من استهدافه برلمانيا[/inlinetweet] عبر سلسلة استجوابات من نواب محسوبين على الشيخ أحمد الفهد، والأمر ينسحب على الحكومات التي شكلها إذ لم تشهد استقرارا بسبب الاستجوابات التي توجه لوزرائه من ذات المجموعة النيابية، فكانت الحصيلة استقالات وتعديلات وزارية.
يعلم الشيخ أحمد الفهد جيدا ما هي الأهداف التي يسعى لتحقيقها اليوم، في المقابل فإن الشيخ ناصر الصباح أمامه العديد من الأسئلة التي تتطلب اجابات قبل أن يتخذ قراره تجاه ابن عمه، فهل يقبل أن يكون بوابة لعودته؟ وما هي الضمانات التي ستقدم له حتى لا يتعرض لما تعرض له المحمد والمبارك؟ أم أن المكاسب التي قد تتحقق من علاقته بالفهد بتثبيت مركزه في تراتبية الحكم كفيلة بأن يقدم هو الآخر تنازلات؟ أم هل سيكون ضحية أخرى من ضحايا صراع أبناء الأسرة؟
نسخة PDF: أحمد الفهد ومشروع العودة: ماضٍ سيئ … ومستقبلٍ غامض