عادت الرياضة الكويتية الى المحافل الأولمبية والدولية مؤقتا، بعد ثلاث سنوات من الإيقاف الذي فرضته أزمة ظاهرها رياضي وباطنها سياسي ذو طابع شخصي، وتمثلت شروط رفع الإيقاف بعدم التعرض لللجنة الأولمبية الكويتية برئاسة الشيخ طلال الفهد، وإجراء انتخابات جديدة للهيئات الرياضية الكويتية وفق خارطة الطريقة المتفق عليها وتعديل قانون الرياضة وايضاح بعض نقاطه .. فهل انتهت الأزمة والصراعات فعليا، أم أن العودة “المؤقتة” استراحة لالتقاط الأنفاس لمعركة أوسع وأشرس؟
تغير مطالب “الأولمبية الدولية”
يتضح من بيان رفع الإيقاف وجود تغيير شبه جذري في مطالب “الأولمبية الدولية” التي وضعت قبل سنوات والتي كانت: عودة اللجنة الأولمبية الكويتية برئاسة الشيخ طلال الفهد، عودة الاتحادات الرياضية المحلية المنحلة، وأخيرا الغاء التعديلات على قانون الرياضة لتعارضه مع الميثاق الأولمبي.
وكانت هناك مطالب إضافية استجدت مع تفاقم الأزمة ما بين الكويت و”الأولمبية الدولية” وبعض الاتحادات الدولية، اذ أضيفت لها سحب القضايا المرفوعة من الكويت ضد المنظمات الدولية، وبيان موقف الكويت من سحب مبنى مقر المجلس الأولمبي الآسيوي واتفاقية استضافته.
فبمقارنة موقف “الأولمبية الدولية” الأخير وبياناتها السابقة من أزمة الرياضة الكويتية خلال السنوات الماضية، يتبين أن عودة الاتحادات المنحلة لم يعد شرطا لرفع الإيقاف ، أما الاعتراف باللجنة الأولمبية الكويتية برئاسة الشيخ طلال الفهد فانتهى الى اتفاق بعدم التعرض لأعماله ومسؤولياته الرئيسية، فيما تحول شرط إلغاء التعديلات على قانون الرياضة الى القبول بأصله والتفاهم على تعديل بعض تفاصيله.
الأرباح والخسائر
تنازلات “الأولمبية الدولية” خلال المفاوضات التي جرت منذ زيارة وفدها الى الكويت في يوليو الماضي، لا تعني أن معسكر الحكومة ممثلة في هيئة الرياضة، والفريق النيابي بقيادة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم انتصر على معسكر أبناء الشهيد ومن يمثلهم من الأعضاء بقيادة النائبين الحميدي السبيعي ومحمد المطير، فالشيخ طلال الفهد لايزال حاضرا عبر رئاسة “الأولمبية الكويتية” وقد ينجح في إعادة بناء مراكزه وقواعده من جديد، ولكن المعسكر الأول ظفر ببعض المكاسب المتمثلة بعدم عودة الاتحادات المنحلة والقبول بقانون الرياضة الجديدة .
في المقابل، فإن معسكر أبناء الشهيد ربح بقاء الشيخ طلال الفهد رئيسا للجنة الأولمبية الكويتية وعدم تعرض الحكومة لأعماله ومسؤولياته، مما يجعله قريبا من الأحداث القادمة، وطرفا في القرارات المستقبلية، إلا أن ذلك لا يعتبر انتصارا على المعسكر الآخر، لا سيما وأنه خسر حلفاءه في أغلبية الأندية، وفشل في إعادة الاتحادات المنحلة الى الساحة الرياضية، كما أن خارطة الطريق المتفق عليها تشير الى اجراء انتخابات ستطال في النهاية “الأولمبية الكويتية” مما يجعل موقع الفهد الرياضي معرض للخسارة إن قرر خوض الانتخابات.
والجدير بالذكر أن التسريبات الصحفية والمعلومات المتاحة، تشير الى أن الحكومة لن تعترف في “لجنة الفهد” على المستوى المحلي ولن تتعامل معه.
تعقيدات جديدة
من المبكر جدا قياس الأرباح والخسائر “النهائية والحقيقية” للمعسكرين، فالأزمة الرياضية لا تزال تراوح في مكانها فعليا كما ذكر كتاب “الأولمبية الدولية” إذ أشار الى أن الأسباب التي دعت الى إيقاف الرياضة الكويتية “لا تزال قائمة”، كما أن اللجنة، وفي رسالتين منفصلتين، الى رئيس هيئة الرياضة د. حمود فليطح، ورئيس اللجنة الأولمبية الكويتية الشيخ طلال الفهد حددت الإطار العام للاتفاق وخارطة الطريق، ولكنها تركت التفاصيل والخطوات للمراسلات القادمة، وهذا الموقف بحد ذاته يجعل جميع الأبواب مفتوحة على مصراعيها، وكل الاحتمالات واردة، أما رفع دائم للإيقاف أو عودته من جديد، أو مطالب أخرى تعقد الأزمة.
فالاتفاق انحصر على العناوين العامة دون التفاصيل، مما يجعل خارطة الطريق معرضة للانهيار في أي لحظة وأمام أي خلاف ، وما قد يزيد من تعقيد المشهد القادم، الأسماء التي ستختارها “الأولمبية الدولية” للجنة السداسية التي ستشكل مناصفة مع الحكومة للإشراف على تنفيذ الاتفاق، فإن جاءت ترشيحات اللجنة من قبل “الأولمبية الكويتية” برئاسة الفهد فإن ذلك قد يمنع حصول توافق داخلها، وتباين في قياس مدى الالتزام في تنفيذ الخارطة، والخلافات قد تصل الى مرحلة استقالات الأعضاء والتشكيك فيما بينهم، وإن خلت من تمثيل معسكر أبناء الشهيد فذلك يعني إقصائهم وفقدان اللجنة مبكرا لمبدأ الحياد.
الجانب السياسي والنيابي
ولأن القضية لا ينفصل عنها الجانب السياسي والنيابي، لابد من الإشارة الى التصريحات الأخيرة لبعض أعضاء مجلس الأمة، فالنائب رياض العدساني هدد باستجواب وزير الإعلام ووزير الدولة لشئون الشباب محمد الجبري في حال عودة الاتحادات المنحلة لقطع الطريق أمام أي مطالبة بعودتهم، أما النائب الحميدي السبيعي فوجه سؤالا برلمانيا عن أسماء اللجنة الأولمبية الكويتية، ويهدف بذلك الى الحصول على مستند حكومي رسمي يعترف بالشيخ طلال الفهد رئيسا وبفريقه أعضاء في اللجنة.
وهذه المواقف النيابية ستلقي بظلالها على تنفيذ خارطة الطريق، وقد تصل الى مرحلة استخدام الأدوات الدستورية كما حصل سابقا مع وزير الإعلام ووزير الدولة لشئون الشباب الأسبق الشيخ سلمان الحمود بتقديم استجوابا له خسر على ضوئه كرسيه الوزاري.
المجلس الأولمبي الآسيوي
هناك طرف آخر في الأزمة برز على الواجهة مؤخرا بعد أن كان يحاول الاختباء طوال السنوات الماضية خلف عباءة “الأولمبية الدولية”، وهو المجلس الأولمبي الآسيوي الذي يترأسه الشيخ أحمد الفهد، فالمجلس تعرض لخسارة جسيمة تمثلت في سحب مبنى “أولمبيا”، مقره الرئيسي، والذي تقدر قيمته بملايين الدنانير ويشكل أحد موارد دخله المالية الرئيسية، وأنهت الحكومة الكويتية اتفاقية استضافته على أرضها، وجاءت تلك القرارات على خلفية موقفه من الأزمة وتأييده للإيقاف، بل أن الحكومة تتهمه في تحريك الملف آسيويا ودوليا.
فقد طالب مدير عام “الأولمبي الآسيوي” الكويتي حسين المسلم، عقب رفع الإيقاف الرياضي عن الكويت، الحكومة الكويتية باحترام “خارطة الطريق”، ووصف تدخلاتها في الشأن الرياضي الكويتي بأن لا مثيل له في الدول الأخرى، ويأتي هذا التصعيد في التصريح من قبل اللجنة الآسيوية بصورة مريبة في التوقيت واللغة ، في حين تسعى “الأولمبية الدولية” الى احتواء الأزمة والانتهاء منها كونها بدأت تسلط الأضواء على كيفية تعاملها معها.
الأزمة لم تنته فعليا برفع الإيقاف “المؤقت والمشروط”، فكل المؤشرات تسير باتجاه تعقيدات جديدة قادمة ، وجولة أخرى من الصراعات الرياضية والسياسية والنيابية، وعودة الى الاصطفافات الشعبية بين هذا المعسكر وذاك مما قد يعيد الأزمة الرياضية الكويتية الى مربعها الأول، مالم يكون هناك قرار حازم من قبل القيادة السياسية لجميع الأطراف لطي الملف الى الأبد.
نسخة PDF: رفع الإيقاف الرياضي عن الكويت: مكاسب وقتية .. وتعقيدات مستقبلية
