يمثل ملف “الشهادات المزورة والوهمية” واحدا من الملفات ذات التفرعات المترابطة في أثرها، فالحراك الحكومي تجاه الملف، وإن كان الى اليوم يعتبر إعلاميا، لم يقابله تحرك من السلطتين التشريعية والقضائية باتجاه البحث والتحري عن الأضرار التي قد تمسها.
جذور التزوير
صحيح أن جذور التزوير بدأت من عمق الأجهزة الحكومية، إلا أن ثمرها قطفته أيضا أجهزة السلطات الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، فالتركيز الإعلامي والسياسي على الوزارات والإدارات الحكومية لم يلتفت الى الجهاز القضائي بشكل عام وأجهزته المعاونة بشكل خاص التي يتعين موظفوها عبر وزارة العدل، أما في مجلس الأمة فإن الحديث لم يتطرق الى الامانة العامة وجهازها الضخم وما تضمه من إدارات فنية ملحقة باللجان البرلمانية والمختصة في كتابة التقارير ومراجعة التشريعات وما يرد للمجلس من الحكومة أو النواب من اقتراحات وأسئلة برلمانية.
قياس الأزمة في الجهاز الحكومي يجب ألا يختلف أثرا وضررا عما قد يمس المجلس الأعلى للقضاء ومجلس الأمة ، لا سيما وأن أغلب سهام التزوير موجهة الى حملة شهادات القانون من بعض الدول العربية والآسيوية، وغالبا من يحصل على الدرجات الجامعية أو العليا من تلك الفئة هم ممن يطلق عليهم أصحاب “شهادات الوينكد”، فهل هم مؤهلون فنيا لتولي المهام المتخصصة الموكلة لهم في القضاء أو مجلس الأمة؟
“الأمة” والقضاء
ليس من المنطقي، أو من المفروض، أن تسلط الأضواء على كافة الأخطاء الوظيفية الناتجة من الشهادات المزورة والوهمية في الجهاز الحكومي فقط، بينما هناك أخطاء عديدة صدرت من موظفي السلطتين التشريعية والقضائية ، فعلى سبيل المثال، كم قانون صدر من مجلس الأمة – مع بداية تفشي ظاهرة الشهادات المزورة والوهمية – احتوى على مثالب وعيوب دستورية ومادية أدت إلى ابطاله أو تصويبه مجددا في المجلس؟ التقارير البرلمانية الصادرة من اللجان البرلمانية، رغم أن النواب لا يطلعون عليها، إلا أنها تفتقر كثيرا الى الصياغة الفنية والقانونية السليمة، وهو ما يلتمسه الجميع عند مناقشتها في الجلسات العامة.
ولا يختلف الأمر كثيرا في أجهزة السلطة القضائية، فالأخطاء الإدارية والقانونية – المتعمد منها وغير المتعمد – كثيرة وعديدة، ولا يمكن انكارها رغم تغييبها إعلاميا بسبب حساسية الجهاز.
تنص المادة ٥٠ من الدستور على فصل السلطات وتعاونها، وهذا المبدأ الدستوري يكف يد الحكومة عن الدخول والتدخل في أعمال السلطتين التشريعية والقضائية، ولكنه في المقابل يحمل السلطتين مسؤولية أخذ زمام المبادرة بالتوازي مع الحكومة في التحقق من شهادات موظفيها ، خاصة وأن أعداد العاملين فيها ليس بالضخم مقارنة في الجهاز التنفيذي للدولة.
إن كان لزاما على الحكومة، للتأكيد على جديتها في محاربة الشهادات المزورة والوهمية، البدء في مراجعة شهادات القياديين والإشرافيين في كافة أجهزتها، وتنظيف طبقة اتخاذ القرار من المزورين، فإن أعضاء مجلس الأمة بدورهم معنيون في التصدي لتلك الظاهرة في مجلسهم ومكاتب اللجان الفنية والأمانة العامة لمجلس الأمة، بل مسؤولية النواب مجتمعين وليس منفردين المطالبة في فحص شهاداتهم أسوة ببقية الموظفين في الدولة .
وكون الجهاز القضائي يحمل خصوصية معينة، فلا يعني ذلك عدم التفاعل مع الأحداث وإصدار قرارا لمراجعة شهادات موظفيه، لا سيما من حصل عليها وهو على رأس عمله، أو من جامعات مشكوك في سلامتها الأكاديمية.
الوزراء والنواب والقضاة
هناك نقطة يجب الانطلاق منها على كافة الاتجاهات والأصعدة، وعلى مستوى السلطات الثلاثة، في مواجهة الشهادات المزورة والوهمية، صحيح أنه سبق وأن ذكرنا أن الحكومة في منتصف مستنقع فساد، لكن نؤكد اليوم أن وضع السلطتين التشريعية والقضائية أفضل وحركتهما أسهل، إلا إذا كانا يريدان الاصطفاف مع الحكومة في ذات المستنقع.
هل سيقبل النواب فتح ملفاتهم الخاصة؟ وهل سيعتبر القضاة الحديث عن شهاداتهم تشكيك بهم؟ وماذا ستكون النتيجة ان اكتشفت الحكومة وزراء مزورين؟ هل تملك السلطات الثلاث الجرأة على البدء بالهرم قبل القاعدة؟ أسئلة عديدة كلما تأخرت الإجابة عليها زاد الشك بما هو يقين لدى الكثير من العامة.
نسخة PDF: “الشهادات المزورة والوهمية” .. ماذا عن مجلس الأمة والقضاء؟
