نفذ النواب الحميدي السبيعي ومبارك الحجرف وخالد العتيبي وعيدهم باستجواب وزيرة الشؤون الاجتماعية هند الصبيح في حال عودتها الى التشكيل الوزاري الجديد، إذ قدموا صحيفة المساءلة رسميا بعد أقل من شهر من أدائها اليمين الدستورية في مجلس الأمة.
خمسة محاور ستكون على منصة الصبيح والمستجوبين في جلسة ٢٣ الجاري، ما لم تطلب الوزيرة تأجيله لمدة اسبوعين بحسب لائحة مجلس الأمة، وهي: التجاوزات المالية والإدارية في الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة، قطع المساعدات الاجتماعية عن الكويتيات، الإخلال بالتركيبة السكانية وتعيين الوافدين ومحاربة الكفاءات الوطنية، الفساد المالي والإداري بهيئة القوى العاملة، وأخيرا الإضرار بالعمل النقابي والتعاوني والجمعيات.
خطوة ايجابية وأخرى متقدمة
من الأهمية الإشارة الى أن {tweetme mode=link}عودة الصبيح، رغم علمها بوجود نية لاستجوابها، خطوة ”ايجابية“ من رئيس الوزراء والوزيرة[/inlinetweet] لوقف الزحف النيابي والتدخل في اختيار أعضاء الحكومة، فما جرت عليه العادة أن يستبعد الوزير – أيا كان وضعه – من التشكيل الجديد متى ما لوح نائب بمساءلته، ولعل في عودتها وقبولها لذات المنصب رسالة الى المستجوبين بثقة الحكومة بأدائها وقراراتها.
في المقابل، فإن {tweetme mode=link}تفعيل النواب المستجوبين أدواتهم الدستورية استندا على تقارير ديوان المحاسبة، خطوة ”متقدمة“[/inlinetweet] بعد إن كانت التقارير تنتهي بصدورها دون وجود أي تحرك نيابي جدي لمتابعة المخالفات المالية والملاحظات الواردة فيها، ولعل ذلك يضع الوزراء والحكومة بين سندان الإصلاح ومطرقة المحاسبة، والتعامل مع تقارير ”المحاسبة“ بجدية أكثر، إذ أصبحت ألغام يمكن زرعها في مسيرة أي وزير.
القص واللزق
قبل الدخول في صحيفة المساءلة ومحاورها، لا بد من الإشارة الى التحقيق الاستقصائي الذي أجرته جريدة ”الجريدة“ الكويتية حول الاستجواب، إذ كشف عن نسخ أجزاء واسعة من المحور الأول من استجواب النائب السابق محمد طنا للوزيرة الصبيح – أيضا – في مجلس الأمة ٢٠١٣ المنحل، وأجزاء من استجواب رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك المقدم له من النواب محمد المطير ود. وليد الحربش وشعيب المويزري في دور الانعقاد الماضي.
ولعل {tweetme mode=link}تقرير ”الجريدة“ الاخباري أضعف الاستجواب نوعا ما، وتحديدا المحور الأول، ووضع المستجوبين في موقف الدفاع عن النفس[/inlinetweet] في وقت يتطلب معه أي تكتيك سياسي – في ظروف الاستجواب – تكثيف الهجوم على الوزير المستجوب. ولم يعلق النواب المستجوبين على حادثة النسخ، ولكنهم اكتفوا باعتبار تقرير الصحيفة محاولة لوأد الاستجواب والطعن فيه.
ولكن ذلك لا يعني نهاية الاستجواب وخسارة المستجوبين معركتهم، {tweetme mode=link}فالعمل الرقابي النيابي في الكويت لم يعد يرتبط بمحاور، ولا بمرافعة الوزير وأدلة البراءة أو مرافعة النواب وحقائق الإدانة[/inlinetweet]، فالقرار يتخذ وفق معطيات لا ترتبط بالضرورة بعلاقة مع مادة الاستجواب أبرزها مزاج الشارع، وهو ما يعطي النواب السبيعي والحجرف والعتيبي فرصة أخرى لإسقاط الصبيح، ويضع النواب الآخرين في موقع تفاوضي أفضل وأقوى مع الحكومة في ملفات وقضايا أخرى، ويترك مستقبل الوزيرة والحكومة رهن رغبات أعضاء مجلس الأمة.
ركائز الاستجواب
يقوم استجواب ”الثلاثي“ على ثلاث ركائز أساسية وهي: شهادات ذوي الإعاقة، المساعدات الاجتماعية للكويتيات وأخيرا التركيبة السكانية أي الوافدين، وهي قضايا تابعة الى جهات للوزيرة من شأنها أن تعطي الاستجواب – إذ نجح المستجوبون في عرضها – زخما شعبيا وإعلاميا كبيرا، بخلاف بقية المحاور والنقاط التي تتطرق الى ملاحظات أو مخالفات إدارية، ومخالفات مالية غير معروفة القيمة.
فمحور إصدار شهادات اثبات الإعاقة، وإعادة الهيئة المعنية تقييم الأشخاص المعاقين وتغيير درجات الإعاقة، من الملفات الشعبية التي من شأنها أن تكسب المستجوبين تعاطف الشارع، خاصة ممن تأثروا في قرارات الهيئة الجديدة كتخفيض درجة إعاقتهم أو أحد أبنائهم أو استبعادهم من القائمة تماما، وبالتالي خسارتهم المميزات المالية والتسهيلات التي يحصل عليها المعاقون وذويهم.
ولا يقل شعبية عن محور ذوي الإعاقة، ما جاء في المحور الثاني من وقف المساعدات الاجتماعية عن الكويتيات، الذي غلب على صياغته الجانب العاطفي بشأن وضع المرأة الكويتية المطلقة والأرملة واحتياجاتهما المعيشية، فقد حرص المستجوبون في صحيفتهم على الاستعانة بالآيات والأحاديث الدينية، وجمل عاطفية كـ ”أسر كويتية عفيفة النفس غير قادرة على دفع الايجار“ و“مواطنات كويتيات بات حقهن في الزواج مصدر عقاب لهن“.
أما محور الاخلال بالتركيبة السكانية، {tweetme mode=link}وتفوق الوافدون عددا على الكويتيين، فهو من المحاور التي أصبحت الزامية في أي استجواب يقدم[/inlinetweet]، فإن لم يكن الوزير مسؤولا عنه، فلا بد من البحث عن تعييناته للوافدين، ونسبتهم مقارنة بالعمالة الوطنية في جهاته، أو حتى البحث حول جنسية المستشارين وقيمة رواتبهم الشهرية ومكافآتهم المالية.
وفي هذا الاستجواب، فإن الصبيح المسؤولة كونها الوزيرة المعنية بالملف وتحت سلطتها هيئة القوى العاملة .. الجهتان المسؤولتان عن اصدار تأشيرات الدخول والعمل في الكويت، وبهما الإدارات الأكثر تلاعبا في ملفات الشركات لاستقدام العمالة الوافدة مقابل الحصول على مبالغ مالية، أي تجار الإقامات.
معادلة غير عادلة
من المؤكد أن تحظى الملفات السابقة على المساحة الأكبر من الوقت الممنوح للمستجوبين في مرافعاتهم، {tweetme mode=link}فالقضايا ذات الأبعاد الشعبوية والمزايا المالية لفئات من المواطنين لا تجد صعوبة في الانتشار سريعا في وسائل التواصل الاجتماعي[/inlinetweet] والوصول الى العامة، فحادثة واحدة ”حقيقية وسليمة“ في سلب معاق وأسرته حقوقهم، أو وقف مساعدات مواطنة كويتية ظلما، أو راتب بالآلاف لوافد، كفيلة بأن تقضي على كل أرقام واحصائيات الصبيح حول اصلاحاتها، وقد يمتد الضرر الى مستقبلها السياسي.
وحينها لن تكون أرقام مدعي الإعاقة، أو مزورو المساعدات الاجتماعية، أو عدد إحالات تجار الإقامات الى النيابة ذات قيمة أو درعا يحمي الوزيرة، فالمعادلة هنا غير عادلة، فالمستجوبون يريدون استمرار الصرف المالي والمميزات من منصتهم، ومن على المنصة الأخرى فإن الصبيح ستبرر أسباب الوقف، {tweetme mode=link}ومؤكدا أن كفة المستجوبين ستكون الأرجح لا سيما إن نجحوا في شحن الشارع مبكرا وخطف أجواء وسائل التواصل الاجتماعي لصالحهم[/inlinetweet].
فهناك قاعدة ترسخت خلال السنوات الأخيرة في العمل السياسي والبرلماني في الكويت، فأي إصلاح يمس مميزات مالية أو تسهيلات يحصل عليها المواطن – حتى وإن كانت عن طريق التزوير والغش والخداع – فهو بمثابة حربا عليه في مكتسباته وحقوقه، وهي قاعدة بنيت على أسباب ”منطقية“ بالنسبة لكثير من المواطنين، فالحكومة التي تفشل في إصلاح بيتها الداخلي لا يحق لها أن تبدأ أولا بإصلاح مواطنيها إلا بعد أن تقضي على الفساد في أجهزتها، في المقابل فإن النائب الذي لا يملك مشروعا فإن أفضل وسيلة للمحافظة على رصيده الانتخابي تقديم المزيد من الزيادات المالية والوقوف ضد أي إصلاح ”حقيقي“ قد يمس ناخبينه أو جزء منهم.
معركة مبكرة
{tweetme mode=link}من الأخطاء الشائعة والمستمرة للوزراء المستجوبين هو انتظار جلسة الاستجواب للرد على محاوره[/inlinetweet]، والتي عادة ما تكون بعد اسبوعين من تقديمه، وقد تصل الى شهر في حال طلب الوزير تأجيل استجوابه لمدة مماثلة. فخلال تلك المدة الطويلة نسبيا، تكون الساحة السياسية والاعلامية متروكة للنواب المستجوبين .. تصريحات شبه يومية وتسريب بعض المستندات في وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل صمت الوزير المعني واكتفاءه بانتظار الجلسة.
ولكن هذا الانتظار مكلف جدا، خاصة في ظل شراسة الحسابات الالكترونية – الشخصية أو الإخبارية – في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت لاعبا أساسيا في نجاح أو فشل أي استجواب، وتملك القدرة على توجيه الشارع مع أو ضد الوزير.
قد يكون المسار الأفضل للوزيرة الصبيح في مواجهة الاستجواب وتبعاته، أن تبدأ المعركة بالتوازي مع النواب، أي منذ لحظة تقديم الصحيفة الى أمانة المجلس، فهي بحاجة الى وقت كاف لإقناع الشارع والمواطنين بما حققته من إصلاحات، وخلق رأي آخر مؤيد لها، وهذا الإقناع لا يمكن أن يتحقق من على المنصة وخلال ثلاث ساعات موجهة في أساسها الى النواب وليس المواطنون.
لجوء الصبيح الى كشف جزء من أوراقها مبكرا – عن حالات التزوير والادعاءات – من شأنه أن يخلق رأي آخر أمام المواطنين والنواب، بالتوازي مع ما جاء في صحيفة الاستجواب من اتهامات، وما قد يصدر من النواب المستجوبين من تصريحات، وسيضعها في موقع أفضل سياسيا وإعلاميا قبل جلسة الاستجواب، فهي بحاجة الى إقناع المواطنين قبل النواب، وبحاجة كذلك الى الدخول مبكرا بقوة لخطف الأجواء السياسية أو جزء منها من النواب المستجوبين في مواقع التواصل الاجتماعي.
إذا هل أصبح موقف الوزيرة صعبا ومستحيلا؟ وهل بات رحيلها أقرب الى الواقع في ظل تلك المعطيات؟ وهل الأفضل أن تستسلم الصبيح مبكرا وتتقدم باستقالتها؟ ليس بالضرورة ..
نسخة PDF: استجواب الصبيح: قضايا شائكة .. والانتظار أسوء قرار