تحظر المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي ترشح أبناء الأسرة الحاكمة لانتخابات مجلس الأمة، بيد إنها اتاحت لهم العمل السياسي عبر تعيينهم وزراء من خارج البرلمان، وتعلل المذكرة ذلك بالحرص على حرية الانتخابات والنأي بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي. تنص المذكرة على “جواز تعيين اعضاء الاسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الامة. وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظراً لما هو معروف من عدم جواز ترشيح أنفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة، ونأيا بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي الذي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية”.
{tweetme mode=link}مشاركة الشيوخ في الحكومة، حولتها من مجلس وزراء دولة الى مجلس صراعات على النفوذ والسلطة بين أبناء الأسرة[/inlinetweet] للوصول الى مسند الإمارة، استخدمت فيها العديد من الأدوات من أموال الى أدوات الرقابة البرلمانية التي تحولت في كثير من الأحيان الى أدوات حرب داخل مجلس الأمة لثنائية صراعات الشيوخ.
أبرز الصراعات
من أبرز الصراعات التي لعبت دورا في تاريخ الأمراء في الكويت، وكان لها أثرا سياسيا واجتماعيا، صراع سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح قبل وبعد توليه مسند الإمارة عام ١٩٧٧والشيخ جابر العلي السالم الصباح ، والذي تحدثت عنه الوثائق البريطانية بإسهاب، وكيف انتهى الصراع بإبعاد العلي عن منصب ولي العهد واختيار الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح.
ولم تكن علاقة الشيخ سعد العبدالله ووزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الصباح في أفضل أحوالها بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، ولم يشارك في أول حكومة بعد التحرير.
بعد مرض سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد والأمير الوالد سمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح حين كان وليا للعهد، تفاجأ الكويتيون في اكتوبر من عام ٢٠٠٥ بتصريح لرئيس الحرس الوطني سمو الشيخ سالم العلي السالم الصباح – شقيق الراحل جابر العلي – لصحيفة القبس الكويتية يطالب بتشكيل لجنة ثلاثية من كبار رجالات الأسرة الحاكمة لـ”مساندة القيادة”.
ووجه انتقادات حادة الى وزير الديوان الأميري آنذاك سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح “وقيامه بأدوار ليست من صميم اختصاصاته ومهامه الوظيفية، فليس صحيحا او منطقيا ان يستفرد بالقرار”. ويبدو أن تصريح العلي، وفي ظروف مرض الأمير وولي العهد، كان تمهيدا لأزمة قادمة .. وهو ما حدث بالفعل.
وفاة جابر الأحمد
في فجر الأحد الموافق ١٥ يناير ٢٠٠٦، استيقظ الكويتيون على فاجعة وفاة الأمير الشيخ جابر الأحمد، ولتبدأ أهم معركة في تاريخ الكويت الحديث بين فرعي أحمد الجابر والسالم على مسند الإمارة، إذ كان سمو الشيخ سالم العلي يدفع لأداء الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة برغم سوء حالته الصحية. إلا أن مجلس الوزراء برئاسة الشيخ صباح الأحمد رفع تقريرا لمجلس الأمة عن الحالة الصحية للشيخ سعد العبدالله ليصوت النواب بعزله، ونصب بعدها الشيخ صباح أميرا للبلاد في حادثة سياسية فريدة لم تشهدها المنطقة العربية من قبل.
ولم تتوقف الصراعات في العهد الجديد للإمارة، إذ انتهى الحلف الأسري والسياسي بين سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، المعين في ٨ فبراير ٢٠٠٦ رئيسا للوزراء، والشيخان خليفة العلي الصباح وأحمد الفهد الأحمد الصباح ، وتحولت علاقة الحلفاء الى أخطر صراع سياسي عرفته الأسرة الحاكمة والكويت، إذ مس رئاسة الدولة والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وبعد تولي سمو الشيخ جابر المبارك رئاسة الوزراء في ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ خلفا للمحمد، ومنذ ذلك الحين والى اليوم، وجميع حكوماته، وهو شخصيا، تتعرض الى ”نيران صديقة“ من خلافات أبناء عمومته ممن لديهم نفوذ نيابي عبر اغراق وزرائه بالاستجوابات، ولعل أوضحها اسقاط الشيخين سلمان الحمود ومحمد العبدالله المعروف عنهما خلافهما مع الشيخ أحمد الفهد في ملف إيقاف الرياضة الكويتية دوليا.
تضاؤل الفرص
{tweetme mode=link}في كل صراعات أبناء الأسرة الحاكمة، هناك طرف يخسر المعركة وتتضاءل فرصه لتولي مسند الإمارة مستقبلا[/inlinetweet]، الشيخ جابر العلي السالم الصباح، الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح، الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، الشيخ محمد العبدالله المبارك الصباح، وأخيرا وليس آخرا الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح الذي لا يزال يملك الفرصة الأخيرة – كما يبدو – في الحكومة الحالية.
في المقابل، فهناك نموذج الشيخ محمد صباح السالم الصباح، وزير الخارجية السابق في حكومات الشيخ ناصر المحمد، إذ استقال من منصبه في ١٨ أكتوبر ٢٠١١، من آخر حكومة للمحمد حين اشتد صراع الأخير مع الشيخ أحمد الفهد، وآثر عدم الدخول في الحكومات اللاحقة، ليحفظ كثيرا من مستقبله السياسي وحظوظه في الحكم.
مصير ناصر الصباح
جميع الأسماء السابقة من ذرية المبارك التي حدد الدستور اختيار الأمراء منها، شاركوا في حكومات وكان ينظر لهم كحكام مرشحين في المستقبل، إلا أن الصراعات التي دخلوا بها جعلت الطريق الى مسند الإمارة وعرا، وهو ما يطرح معه تساؤلا .. {tweetme mode=link}ما هو مصير الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح؟ القادم الجديد الى التشكيل الوزاري الأخير ..[/inlinetweet]
إن كانت مشاركة أبناء الأسرة في الحكومات لصقلهم سياسيا وإكسابهم صفات الحاكم في الإدارة والقرار وتأهيلهم للحكم، فما يحدث فعليا أن العمل الوزاري للشيوخ ليس سوى مغامرة خطرة، لا سيما في السنوات الأخيرة، إذ تم فعليا إعدام الكثير منهم سياسيا، وأصبحت حظوظهم في تولي الإمارة شبهة مستحيلة ما لم تحصل لهم معجزة.
وبالعودة الى السؤال عن مصير ومستقبل الشيخ ناصر الصباح بعد دخوله المعترك الحكومي، فإن مشاركته تعتبر خطوة تأهيلية لمستقبله – كأحد المرشحين للحكم – أكثر مما هي مشاركة وزارية حقيقية، {tweetme mode=link}فالحقيبة التي تولى مسؤوليتها، وزارة الدفاع، تتناقض وتتعاكس مع طبيعته وشخصيته واهتماماته[/inlinetweet] بالتحف التاريخية والمجوهرات الثمينة، بالإضافة الى حماسه في جانب اقتصادي وحيد وهو مشروع طريق الحرير – ذو الابعاد التاريخية – وتطوير الجزر الكويتية.
النموذج السعودي
ولكن دخوله بشكل علني على قائمة الطامحين للحكم يضعه على خط تماس مع شيوخ منافسين آخرين، ومن المرجح أن يكون عرضه لهجوم بالوكالة من نواب وانتقادات لاذعة تستهدف شخصه، أسوة بما حدث في كل صراعات الأسرة الحاكمة السابقة، وهو ما قد يؤدي الى خسارة عنصر آخر، وقد يكون الأخير، من قائمة الصف الثاني لأبناء الأسرة المرشحة لمسند الإمارة، مما ينذر بفراغ يؤدي الى أزمة حكم جديدة، وهو وضع لا تتحمله الدولة في ظل الظروف الراهنة محليا وإقليميا.
فالظروف التي تمر بها المنطقة، منذ انطلاق ما عرف بثورات الربيع العربي انعكست على الدولة بشكل مباشر، واستغلت في صراعات أبناء الأسرة للتصعيد ضد الحكومة وبعض الشيوخ، وكانت لها آثار محلية ذات كلفة عالية على الأسرة ترتب عليها خسارة بعض الشيوخ.
إضافة الى ذلك، فإن المتغيرات الداخلية والخارجية التي تشهدها بعض دول الجوار مؤخرا، وسياسات الدول الكبرى تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، فرضت على حكومة سمو الشيخ جابر المبارك طلب حل مجلس الأمة في ١٦ أكتوبر ٢٠١٦، ولم تغب تلك التحديات الإقليمية عن كلمة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بافتتاح الفصل التشريعي الحالي لمجلس الأمة ودور انعقاده الثاني، فإن كان المطلوب من النواب والشعب تفهم دقة الظروف وحساسيتها وانعكاساتها على الدولة، {tweetme mode=link}فلعل المسؤولية الأكبر – في ظل تلك الظروف – تقع على عاتق “مجلس حكماء الأسرة” وكبارها لاتخاذ قرار حاسم بترتيب البيت الداخلي[/inlinetweet] ينهي الصراع حول الحكم ويحفظ واجهة الأسرة التي لم تعد تحتمل هزات أخرى وخسائر إضافية في صفوف أبناءها.
لقد حسم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في حياته مبكرا مستقبل المملكة عبر ترقية ابنه الأمير محمد بن سلمان الى منصب ولي العهد، وفوضه بأغلب الصلاحيات لإدارة الدولة، فهل يتكرر السيناريو في الكويت؟ أم تسبق الصراعات القرارات المصيرية وتسقط الشيخ ناصر الصباح سياسيا في ساحة حرب مجلس الأمة؟
نسخة PDF: الشيخ ناصر صباح الأحمد: مشروع حاكم أو ضحية أخرى لصراعات الأسرة؟
