دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > مشروع قانون العفو العام … تعقيدات وعقبات سياسية تتجاوز القانونية
مبنى قصر العدل

مشروع قانون العفو العام … تعقيدات وعقبات سياسية تتجاوز القانونية

سبعة سنوات استغرقتها المحاكم الكويتية للنظر في أحد أشهر القضايا ذات الخلفية والطابع السياسي في الكويت، وهي حادثة دخول المجلس الأمة والمتهم فيها 70 مواطنا من بينهم نواب حاليين وسابقين، إذ جاءت أحكام محكمة أول درجة ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم، إلا أن ”الاستئناف“ ألغت الحكم وأدانتهم بأحكام سجن تتراوح ما بين 9 سنوات الى سنة بتهم منها استخدام العنف والقوة ضد حرس المجلس ودخول عقار في حيازة الغير.

 ويتبقى للمتهمين درجة تقاضي أخيرة أمام محكمة التمييز قبل أن يصبح الحكم نهائيا وباتا. والجدير بالذكر أن النواب المدانين وعددا من المواطنين سلموا أنفسهم طواعية الى السلطات الأمنية فور صدور الأحكام، فيما تمكنت لجنة مشتركة من ضباط وأفراد تابعين لجهاز أمن الدولة وإدارة المباحث الجنائية من القبض على بعضهم وجاري البحث عن الآخرين.

قاسية ومؤلمة

وصف أكثر من نائب أحكام الإدانة بـ“القاسية والمؤلمة“ إذ أن الحادثة – بحسب تصريحاتهم – ليست سوى عمل احتجاجي سياسي ضد حالات فساد مالية ضخمة طالت أعضاء في السلطة التشريعية (قضية الإيداعات المليونية)، وليس المقصود منها تعمد ارتكاب جرائم أو تخريب مرفق عام في الدولة.

وأعلنوا عن تبينهم توجها لإقرار مشروع قانون عفو شامل بهدف ”طي صفحة الخلافات والتأزيم ولتكون المرحلة المقبلة مرحلة تهدئة وتوافق، لا سيما في ظل الظروف الاقليمية المحيطة في الكويت“.

الحديث عن قانون لعفو عام ليس بجديد، و{tweetme mode=link}هناك محاولة سابقة لإصداره في أبريل الماضي ولكنه سقط بالتصويت داخل مجلس الأمة[/inlinetweet]، وجاءت النتيجة بعدم موافقة 41 عضوا، وموافقة 20 عضوا من إجمالي الحضور البالغ عددهم 61 عضوا. للاطلاع على تقرير لجنة الشؤون التشريعية البرلمانية حول قانون العفو السابق، اضغط هنا.

وسبقت تلك المحاولة، صدور عفو أميري خاص في يوليو من عام 2013 عن جميع من صدرت بحقهم أحكام المساس بالذات الأميرية، إذ قال أمير الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد في كلمة تلفزيونية ”يسعدني بمناسبة العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك ان اصدر عفوا اميريا على كل من صدرت بحقهم احكام نهائية في القضايا المتعلقة بالمساس بالذات الاميرية ويتم تنفيذها بحقهم حاليا“.

الحديث الان عن قانون عفو عام جديد كشف عن تعقيدات سياسية أكثر منها قانونية لصياغة المشروع، من سيشمل؟ وما هي الجرائم المشمولة بالعفو؟ وما هي الفترة التاريخية للجرائم المرتكبة؟ ومن قد يستفيد وهو غير معني بالأحداث السياسية؟ وهل العفو سيضمن عدم تكرار الأحداث؟ بل هل العفو سيحقق الاستقرار فعلا؟

قروب الفنطاس

في قانون العفو الأول، الذي سقط برلمانيا، حددت الفترة التاريخية للجرائم المراد العفو عنها من تاريخ 16 نوفمبر 2011 الى 8 سبتمبر 2016، أي منذ بداية الحراك الشعبي في الكويت عقب تفجر قضية الايداعات المليونية، فيما لم توضح لماذا اختارت تاريخ النهاية.

وشمل القانون المذكور أعلاه الجرائم التالية: إهانة الموظف أثناء تأديته عمله، التعدي على موظف عام أو مقاومته بالقوة والعنف، الإساءة للقضاة، اتلاف أو تخريب ممتلكات الغير، دخول عقار في حيازة أخر قاصدا منع حيازته بالقوة، إذاعة أخبار كاذبة، الطعن في الذات الأميرية، تحريض الأمن على التمرد، التجمهر في مكان عام، وأخيرا تنظيم اجتماع عام أو موكب أو مظاهرة دون ترخيص.

بالنظر الى الجرائم المشمولة في القانون، فإن أغلب المستفيدون منه هم المدانون في قضية دخول المجلس – عددهم 70 مواطنا -، مرددو خطاب كفى عبثا – عددهم 56 مواطنا ومواطنة – ، المدانين في قضايا الإساءة للذات الأميرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي – لا توجد إحصائية رسمية بعددهم – بالإضافة الى المدانين في قضايا التجمهر خلال أحداث مسيرات كرامة وطن.

ومن هنا تبدأ التعقيدات السياسية لإقرار عفو لمثل تلك الجرائم، إذ صحيح أن المستفيدين أغلبهم من الحراك السياسي خلال تلك الفترة، إلا أن هناك {tweetme mode=link}مجموعة أخرى لا علاقة لها بالحراك ستكون من ضمن القائمة المستفيدة، وهم المدانون في ما يعرف بقضية ”قروب الفنطاس“[/inlinetweet] بأحكام تتراوح ما بين عشرة وخمسة سنوات – هاربون خارج البلاد – ، إذ أن التهم الموجه لهم هي اذاعة أخبار كاذبة والإساءة للقضاء، الأمر الذي سيدفع عدد من النواب لإعادة النظر في حساباتهم والتريث قبل التصويت بالموافقة على القانون.

الإساءة لدول الخليج

الأمر الآخر هو الموقف من المدانين في قضايا الإساءة للدول الشقيقة والصديقة، وقد صدرت ضدهم أحكام سجن تتجاوز الخمس سنوات، إذ أنه من الصعب ادراجهم ضمن الفئات المشمولة بالعفو لسببين، الأول أن أغلب تلك القضايا متعلقة بالإساءة للملكة العربية السعودية، والثاني أن النائب السابق د. عبدالحميد دشتي من ضمن المدانين وتصل أحكام سجنه الى 49 عاما، ولا يريد النواب – وحتى الحكومة – الدخول في حرج مع القيادة السعودية بالإفراج عن دشتي وبقية المدانين خاصة في ظل الأزمة الخليجية الراهنة وتوتر العلاقات ما بين البلدين.

القبول بمبدأ الاستثناء سيشكل حرجا على الحكومة، وسيستخدم سلاحا من قبل النواب المعارضين للعفو العام، فهل يُعفى عن من أساؤوا للأمير – وفق ما انتهت له أحكام القضاء – الذي يملك حماية دستورية لذاته، ويفرج عنهم بقوة القانون، فيما يستمر حبس المسيئين للأنظمة والدول الخليجية؟ لا سيما وأن معظم الشكاوى مقدمة من قبل سفارات بلادهم، أيهما أولى بالعقاب والعفو؟ {tweetme mode=link}وهل حرية الرأي – اذا ما اعتبرت كذلك – مباحة تجاه الأمير ومحظورة تجاه دول الجوار؟[/inlinetweet] هذه الجزئية تتطلب مخرج مقنع خاصة لمن يسوق من النواب لقانون عفو يشمل أصحاب الرأي.

خلية العبدلي

أما المعضلة الرئيسية لإقرار قانون عفو عام، هو موقف الكتلة الشيعية في البرلمان، فهم أيضا يتعرضون لضغوط من قواعدهم نتيجة أحكام الإدانة الصادرة فيما يعرف بـ ”خلية العبدلي“ والذي يصل عدد المدانين فيها الى 16 شخصا بأحكام تتراوح ما بين المؤبد والخمس سنوات سجن، كما أن هناك قضية أخرى تتداول في المحاكم حاليا وهي إيواء المدانين، ويبلغ عدد المتهمين فيها حوالي 23 مواطنا.

{tweetme mode=link}من الصعب أن تقبل الكتلة الشيعية بقانون عفو لا يشمل المدانين من قواعدهم وطائفتهم[/inlinetweet]، وفي حال تقديم مشروع القانون، فستظهر مطالبات تدفع باتجاه أن يشمل المدانين في الخلية، أو العمل على قانون آخر منفصل، فالمعسكر الشيعي لا ينظر اليوم الى نوعية الجرم بقدر ما ينظر الى حكم السجن، كما أن القضية بالنسبة له سياسية وليست قانونية، كما هو الحال في المعسكر الآخر.

القيادة السياسية

في حال تجاوز العقبات السياسية السابقة، يبقى هناك اعتبار آخر مرتبط بالقيادة السياسية، فقبولها بقانون العفو – طالما تملك الأغلبية في البرلمان وسلطة رد القانون – يجب أن يكون له مقابل، {tweetme mode=link}فطي صفحة الخلافات ووقف حالات التأزيم يجب أن يكون من الطرفين[/inlinetweet]، فإن كان النظام بيده القبول بقانون العفو، فإن الطرف الآخر قد يطُلب منه ضمانات بعدم تقديم استجوابات طوال فترة الفصل التشريعي الحالي وليس الاكتفاء بدور انعقاد، إلغاء مشاريع قوانين شعبوية .. الخ، ولكن النظام سيبحث كذلك عن مصلحته في عودة أسماء معارضة للمجلس مثل مسلم البراك وجمعان الحربش ووليد الطبطبائي وفيصل المسلم الى الساحة البرلمانية، فالعفو سيسقط عنهم الجرائم ويرفعها من صحيفتهم الجنائية.

صيغة توافقية

{tweetme mode=link}الوصول الى صيغة توافقية لقانون عفو عام قد يتطلب اجتماعات عدة تسبق تقديم المقترح رسميا[/inlinetweet]، وهدف الدخول الى مرحلة جديدة تطوى بها المرحلة السابقة يتطلب أيضا تنازلات من أطراف عدة، فأي قانون يقدم لا يحظى بتأييد الأغلبية النيابية سيكون من السهل على الحكومة إسقاطه كما حدث في المقترح الأول.

عدا ذلك، فأن الخيار الأخير لن يكون بيد النواب، بل المدانين وأسرهم عبر طلب عفو أميري خاص أسوة بما حدث في 2013، ولكن هذا العفو سيكون مشروط بتقديم كتاب استرحام واعتذار، وهو ما قد لا يقبله الكثير منهم خاصة النواب الحاليين أو السابقين، مما يعيد الجميع والوضع السياسي الى المربع الأول.

نسخة PDF: مشروع قانون العفو العام … تعقيدات وعقبات سياسية تتجاوز القانونية