خطفت الأزمة الخليجية من يد رئيس الوزراء المكلف سمو الشيخ جابر المبارك جانب رئيسي من آلية تشكيل الحكومة في الكويت، فأصبح الاعتبار الأول لاختياره فريق عمله الوزاري هو قبول دول خليجية بالانتماءات السياسية للوزراء، وليس تشكيل حكومة تآلف مع القوى السياسية أو الكتل البرلمانية.
الإخوان المسلمين
الحركة الدستورية الإسلامية ”حدس“، التي تمتلك أربعة مقاعد في البرلمان، وتمثل تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت، أرسلت إشارات إيجابية للمشاركة في الحكومة عبر ترشيح نائبها محمد الدلال، إلا أنها لم تجد قبولا أو اهتماما من المبارك الذي وضع في حساباته حساسية تعيين وزير من ”الإخوان“ في ظل التصعيد السعودي الإماراتي ضد المنتمين والمقربين للتنظيم في الخليج واعتبارهم منظمة ارهابية، ومن جانب آخر فهناك الصراع السياسي ما بين النظام والتنظيم في مصر.
والأمر لا يختلف مع التحالف الإسلامي الوطني الذي يمتلك مقعدين في البرلمان وله تأثير غير مباشر على أربعة نواب شيعة آخرين، فالتيار الشيعي المقرب من الجمهورية الايرانية الاسلامية وتنظيم حزب الله اللبناني كان ممثلا في أكثر من حكومة سابقة، إلا أن الأوضاع المحلية بعد إدانة أعضاء بارزين في التيار بالتخابر مع ايران وجمع السلاح فيما يعرف بخلية العبدلي، وتصعيد أكبر عاصمتان خليجيتان، الرياض وأبوظبي ضد طهران، ووجود مواجهات عسكرية غير مباشرة بينهما في اليمن، وصراعات سياسية على النفوذ والسلطة في العراق وسوريا ولبنان، أجبر المبارك على التخلي عن حليف رئيسي للنظام ولاعب أساسي في البرلمان. والجدير بالذكر أن الجامعة العربية وصفت مؤخرا ”حزب الله اللبناني“ بالتنظيم الإرهابي.
الظروف الإقليمية
{tweetme mode=link}أثر الظروف الخليجية والإقليمية على تشكيل الحكومة الكويتية يأتي اليوم مدفوعا بتوجهات نيابية معادية للطرفين السياسيين[/inlinetweet]، فالنائب صفاء الهاشم، وهي من أشد المعارضين لتنظيم الاخوان المسلمين وجناحه الكويتي، قالت في تغريده لها ”الأخ رئيس الحكومة كما علمنا وقرأنا إنك تعمل حالياً على اختيار تشكيلة حكومية توازن بين الوضعين الإقليمي والمحلي، أشكرك أخى الكريم إن كان قصدك المرشحين المحسوبين على الإخوان المسلمين. قطع دابر الشر خطوة مباركة.. أعقلها وتوكل وشكّل حكومتك ونحن معك.. وبالإنتظار“.
الأخ رئيس الحكومة كما علمنا وقرأنا إنك تعمل حالياً على اختيار تشكيلة حكومية توازن بين الوضعين الإقليمي والمحلي"!!
أشكرك أخى الكريم إن كان قصدك المرشحين المحسوبين على "الإخوان المسلمين"!!
قطع دابر الشر خطوة مباركة..
أعقلها وتوكل وشكّل حكومتك ونحن معك.. وبالإنتظار.— safa Alhashem (@safaalhashem) November 14, 2017
وعلى الصعيد ذاته، يأتي تصعيد نيابي آخر ضد الاخوان وتجمعهم السياسي ”حدس“ من قبل النائبين رياض العدساني وأحمد الفضل، وإن كانا لم يعلنا موقفا رافضا من مشاركة الإخوان في الحكومة المقبلة بشكل رسمي، إلا أن مؤشرات صراعاتهما تدل على رفضهما دخول “الإخوان” الحكومة القادمة أو تنذر على الأقل بمواجهة نيابية حكومية مبكرة.
التيار الشيعي
في المقابل، فإن النواب الاسلاميين أمثال د. وليد الطبطبائي ومحمد المطير ومحمد هايف، من المرجح جدا أن يكون لهم موقفا رافضا لتوزير شخصيات محسوبة على التحالف الاسلامي الوطني، نظرا لعدائهم من ايران وحزب الله اللبناني، فهم من الشخصيات السياسية الكويتية التي تتوافق وجهات نظرها مع الموقف السعودي ويتبنون الكثير من سياسات المملكة ضد طهران والنظام السوري الموالي له، بل هم شخصيات قادرة على خلق أجواء تجر بقية نواب الاسلاميين معهم.
بيان #إئتلاف_الأمة_لمواجهة_المشروع_الإيراني بتأييد قرار #الجامعة_العربية حول تصنيف #حزب_الله منظمة إرهابية وإدانة التدخلات #الإيرانية بالمنطقة pic.twitter.com/vUFat1AbSD
— وليد الطبطبائي (@Altabtabie) November 21, 2017
المبارك حين كان نائبا أولا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع خلال حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد، عاش تجربة شبيهة في مجلس 2009 لانعكاس الظروف الخارجية على الوضع المحلي، إذ انتقل الصدام النيابي مع الشيخ ناصر الى الشارع وانتهى الى تقديم استجواب له على خلفية توتر العلاقات ما بين الكويت والسعودية بسبب قربه من التيار الشيعي وميوله الى الجانب الايراني كما ذكر المستجوبون، واتخاد الكويت قرارا بعدم المشاركة عسكريا بقوات درع الجزيرة في البحرين، بالإضافة الى قضايا أخرى كانت طهران طرفا في محاور استجوابه.
دول الجوار
ولكن {tweetme mode=link}الى متى ستقصي الحكومة التنظيمات السياسية من المشاركة بسبب الظروف الإقليمية وإرضاء لدول الجوار؟[/inlinetweet] لا سيما وأن الأزمة الخليجية باتجاه التصعيد وليس التهدئة، وهل السياسة الخارجية في هذه المرحلة أهم من القضايا والملفات الداخلية؟ أم خلق التوازن بينهما غير ممكن بسبب الارتباط الفكري والديني لبعض التنظيمات بالخارج؟
{tweetme mode=link}يقع الشيخ جابر اليوم بين سندان التنظيمات والكتل السياسية ومطرقة دول الجوار[/inlinetweet]، فالتحالف مع الأولى يعطي حكومته استقرارا نسبيا وحماية نيابية، أما الثانية فتجنب الكويت الدخول في صراع غير مباشر مع دول خليجية واقليمية، ولخلق توازن ”مؤقت“ فإن الخيار الوحيد هو اللجوء الى الصفقات مع النواب، إلا أن هذا الخيار ستكون كلفته باهظة الثمن، قوانين شعبوية ذات كلفة على المال العام وأخرى سياسية منها عودة الجناسي، بالإضافة الى تعيينات على مستوى قيادات الدولة ومناقصات مليونية.
ومن المؤكد أن رئيس الوزراء يتجه الى الخيار الوحيد الذي أمامه، فهو لا يريد استفزاز دول الجوار الخليجية باحتوائه أكبر الكتل البرلمانية في حكومته، ولكنه في المقابل فتح بابا موسعا لأن يكون تشكيل الحكومة الكويتية رهن الاعتبارات الخليجية، وليس الاحتياجات والمتطلبات المحلية وخلق علاقة تعاون ما بين الحكومة والقوى السياسية والكتل البرلمانية.
