دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > مستقبل الكويت ما بعد انهيار مجلس التعاون الخليجي

مستقبل الكويت ما بعد انهيار مجلس التعاون الخليجي

يمثل خطاب سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في افتتاح دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة نقطة تحول في مستقبل الوساطة الكويتية الخليجية، فالرسائل المباشرة لسموه حذرت من خطورة تطورات الأزمة على أمن منطقة الخليج وشعوبه، ومخاطر تدخلات وصراعات اقليمية ودولية.

أمير الكويت استخدم – مع بقاء أمنياته وآماله مفتوحة وإيجابية وجهوده مستمرة – كلمات دالة على أن مسار الأزمة الخليجية لا يسير باتجاه الحلحلة أو الإنفراجه، بل “التصعيد” و”التطور”، فيقول سموه “الازمة الخليجية تحمل في جنباتها احتمالات التطور وعلينا جميعا ان نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد …“، ويضيف “وساطة الكويت الواعية لاحتمالات توسع هذه الازمة ليست مجرد وساطة تقليدية …“.

الحديث عن مستقبل الوساطة الكويتية، سواء من حيث تعثرها أو نجاحها، لا يمكن أن يكون بمعزل عن مستقبل الكويت في منظومة دول الخليج العربي، ووسط هذا الصراع الذي قارب عمره على الستة أشهر، هناك الكثير من التساؤلات التي تطرح بـ “خجل” على الساحة المحلية ولكنها لا تجد إجابات صريحة وواضحة، [inlinetweet]فأين ستقف الكويت بعد انتهاء الوساطة دون الوصول الى اتفاق أو حلول؟[/inlinetweet] مع الدول الخليجية الثلاث (المملكة العربية السعودية، الإمارات والبحرين)؟ أم مع قطر؟ وهل الحياد في هذا الظرف سيكون مخرج أم بداية لأزمة أخرى وأكبر تكون الكويت فيها طرفا؟

الغزو العراقي

وتتذكر الكويت جيدا [inlinetweet]الاحتلال العراقي كان نتيجة قراءة غير سليمة لمجريات الأزمة الكويتية العراقية حينها[/inlinetweet]، فواجهة التحذيرات الاستخباراتية الأجنبية بشأن التحركات العراقية العسكرية لغزوها بمنطق “حسن نية الجار”، وإن كان تكرار أزمة الاحتلال مجددا مستبعد تماما بعدما تغيرت المنظومة الدولية، ووجود اتفاقيات أمنية مشتركة بين الكويت والدول الكبرى، إلا أن الحروب اليوم لم تعد عسكرية فقط، بل تحولت من المعدات والعتاد العسكري الى المقاطعة الاقتصادية وفرض حصار حدودي، وحروب إعلامية في الإعلام التقليدي أو الالكتروني، وخلق معارضة فاعلة لتشكيل ضغط داخلي وخارجي.

وبالعودة الى خطاب أمير الكويت، وفي توقيته ومكانه وأمام أعضاء مجلس الأمة، فإن دعوة سموه الى “ان نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد” تطرح تساؤلات مختلفة تماما عن الأرضية التي يجب أن تقف عليها الكويت مستقبلا، ولعل التساؤلات المطلوب طرحها بشكل جدي اليوم، بعيداً عن أي اعتبارات دبلوماسية، [inlinetweet]هل الكويت مستعدة وقادرة على إدارة شؤونها بمعزل عن المنظومة الخليجية؟[/inlinetweet] وهل هناك استراتيجية حكومية للتعامل مع الدول المجاورة بعد انهيار وتفكك مجلس التعاون الخليجي؟ وهل الكويت قادرة على احتواء آثار “الطلاق البائن” بين دول المنطقة عليها؟

قبل عام، وتحديدا في 16 أكتوبر 2016، رفعت الحكومة مشروع مرسوم بحل مجلس الأمة السابق تحت مبرر “الظروف الاقليمية الدقيقة وما استجد منها من تطورات وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير…“، علما أنه لم يكن للأزمة الخليجية التي اندلعت في 5 يونيو من عام 2017 أثر حينها، والمنطقة شهدت بعد أشهر من حل مجلس الأمة – وقبل الأزمة الخليجية بأيام – قمة خليجية أمريكية في العاصمة السعودية الرياض بحضور الدول الست لمواجهة الإرهاب.

ولكن الظروف الإقليمية اليوم ازدادت اتساعا، وضربت أساسات البيت الخليجي الذي كان يبحث عن مواجهة مشتركة لمخاطر ارتدادات المشاكل الداخلية للدول المحيطة به، ويسعى لتجفيف منابع الإرهاب فكريا وماليا في بلدانه، ليتحول التعاون الخليجي المنشود الى صراع مفروض من دوله على دوله.

السلطتان التشريعية والتنفيذية

ورغم كل تلك التطورات “الإقليمية” السلبية الاتجاه، فإن [inlinetweet]السلطتين التشريعية والتنفيذية يتجنبان الحديث بصراحة عما قد يواجه الكويت على المدى المتوسط والبعيد[/inlinetweet]، حتى ما بعد خطاب سمو الأمير. ويبدو أن الاعتبارات التي تربط عدد من النواب بأطراف الأزمة الخليجية شكل مانعا لفتح هذا الملف بحياد ودون انحياز، من جهتها فإن الحكومة، التي يتهمها أعضاء البرلمان بالفشل في الإدارة العامة، غارقة في أزماتها الداخلية على مستوى أجهزتها التنفيذية أو في صراعاتها مع النواب.

ترك الملف الخارجي تحت إدارة أمير البلاد شخصيا ومباشرة قرار سليم نظرا لما يتمتع به سموه من علاقات دولية واسعة وخبره اكتسبها خلال مسيرته كوزير للخارجية، بيد أن هذا التوجه الحكومي النيابي، وكذلك الشعبي، لا يعني أن يترك الملف الداخلي المرتبط بالأزمة الخليجية دون رعاية من السلطتين، فسياسة “لكل حادث حديث” أسوء قرار يُتخذ اليوم، لا سيما وأن هناك شكوك واسعة بقدرة الحكومة على مواجهة أي أزمة طارئة بهذا الحجم والتأثير، وهناك شكوك أخرى بوعي النواب، وقدرتهم على التخلص من نهج العمل الانتخابي وضغوطه، والتحول الى العمل البرلماني السياسي المسؤول، ووجود اصطفافات شعبية محلية مع طرفي الأزمة الخليجية.

ليس المطلوب أن تكون الترتيبات الحكومية والنيابية لمواجهة أسوء ما قد ينتج عن الأزمة الخليجية تجاه الكويت “علنية”، ولكن أحد الطرفين قد يكون مطلوب منه المبادرة وقرع جرس الإنذار لفتح نقاش حقيقي وجدي يرسم مستقبل الكويت ما بعد منظومة دول الخليج، سواء نجحت الوساطة الكويتية أو فشلت، [inlinetweet]فمستوى العلاقات ونوعها ما بين دول الخليج وشعوبه ما قبل الأزمة انتهى، ولم يعد الخليج “واحد”[/inlinetweet].

نسخة PDF: مستقبل الكويت ما بعد انهيار مجلس التعاون الخليجي