ينتظر أن يناقش مجلس الأمة الكويتي في أولى جلساته طلبا نيابيا لاستعجال تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية المدرج على جدول أعمال المجلس منذ دور الانعقاد الماضي بشأن تعديل سن التقاعد في الكويت، أو ما عرف إعلاميا بـ “التقاعد المبكر”، بحسب الاقتراحات النيابية المقدمة في هذا الشأن.
ونص التقرير النهائي للجنة على تعديل مادتين في قانون “التأمينات” بحيث يخفض سن التقاعد للرجل من 55 عاما الى50 عاما مع خدمة عمل 25 سنة، وخفض سن التقاعد للمرأة الى 45 عاما مع خدمة عمل 20 عاما دون النظر الى حالتها الاجتماعية.
ورفضت مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، الجهة الحكومية المعنية في المعاشات التقاعدية، التعديلات النيابية المطروحة، معلله أسبابها الى وجود عجز اكتواري متزايد نتيجة عدم تحديد السن لأنه ينذر بإفلاس أهم صناديق المؤسسة، بالإضافة الى أن سن التقاعد في دول العالم لا تقل عن 55 عاما ومعظم الدول تتجه الى زيادة السن وذلك لارتفاع متوسط عمر الانسان.
كما أوضحت “التأمينات” أن تخفيض سن التقاعد يعني انسحاب الخبرات الوطنية مبكرا من العمل لا سيما المرأة والتي تشكل 54 بالمئة من قوة العمل الوطنية.
موافقة “المالية البرلمانية”
اللجنة المالية النيابية بدورها لم تبين أسباب الموافقة على تخفيض السن في التقرير الذي رفعته الى مجلس الأمة، واكتفت بذكر أن الموافقة على التعديلات جاءت بإجماع الحاضرين من أعضاءها بعد المناقشة وتبادل الآراء.
أما النائب علي الدقباسي، وهو أحد مقدمي اقتراحات تخفيض سن التقاعد، فيقول إن تخفيض العمر سيساهم في تخفيض نسبة البطالة في الكويت ويوفر فرص وظيفية جديدة ، كما يؤدي الى وفر في ميزانية الدولة بإحالة المواطن من موظف الى متقاعد.
وبالنظر الى الملف بصورة عامة، فإنه يتضح أن تقرير اللجنة المالية البرلمانية اكتفى برأي مؤسسة التأمينات الاجتماعية فقط، ولم يستمع الى آراء الجهات الأخرى، مثل ديوان الخدمة المدنية فيما إذا كان التقاعد المبكر من شأنه توفير فرص وظيفية فعليا مرتبطة بطابور الانتظار، كما أن التقرير لم يستمع الى رأي وزارة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية التي وضعت رؤية الكويت لعام 2035 التي تسعى الى تخفيف التوظيف الحكومي وزيادة التوظيف في القطاع الخاص وتشجيع الشباب الى الاتجاه الى العمل الحر.
آراء تلك الجهات الحكومية المعنية في ملف التوظيف في الكويت بشكل مباشر وغير مباشر سيكون له أثر في تكوين قناعة النائب والمواطن بالموافقة على التعديلات المطروحة أو رفضها، فلا يمكن أن تبنى قناعة متكاملة على قاعدة بيانات ناقصة.
سوق العمالة الوطنية
فلا يوجد مسح عملي وفني على سوق العمالة الوطنية في القطاع الحكومي لقياس رغبتهم الموظفين والموظفات في التقاعد المبكر من عدمه، إذ أن التعديل قد ينتج عنه إقبال شديد على هذه الميزة مما يخلق فجوة كبيرة في القطاعات الحكومية لا يمكن أن تسدها أعداد الطوابير في ديوان الخدمة المدنية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن احصائيات الديوان تشير الى أن عدد المتعطلين من الذكور يبلغ 3377 مواطنا مقابل 11445 مواطنة .
وقد قام ديوان الخدمة المدنية مؤخرا بترشيح كافة المسجلين في نظام التوظيف من حملة الدكتوراه والماجستير وشهادات القانون والمحاسبة في الجهات الحكومية ، وهناك خطة لإحلال العمالة الوطنية بدلا من الوافدة خلال الخمس السنوات القادمة .
كما أن {tweetme mode=link}الجانب الاجتماعي والنفسي في ملف تخفيض سن التقاعد، لم يتم التطرق له في تقرير اللجنة البرلمانية[/inlinetweet] أو في الاقتراحات النيابية المقدمة، فهل تشجيع المواطن على التقاعد المبكر سيعود على حياته العائلية بالإيجاب أم السلب؟ فمن البديهي أن التقاعد بشكل عام سيترتب عليه انخفاض الدخل المالي لرب الأسرة وسيكون له أثر نفسي سلبي بالغ حين يعجز رب الأسرة عن توفير مستلزمات عائلته، فهل هذا الاتجاه الصحيح في عمر مبكر لمواطن في منتصف حياة تكوين أسرته؟
ولمعرفة نتائج التقاعد المبكر نفسيا واجتماعيا على الموظف والموظفة، قد يكون من الضرورة الاستعانة بالمختصين في جامعة الكويت لعمل دراسات ميدانية على شرائح المتقاعدين ومدى تأثر سلوكهم الحياتي بالانتقال من فئة موظف الى متقاعد.
والجدير بالذكر أن الكثير من المتقاعدين – وفق القانون الحالي – يطالبون الحكومة بالاستعانة في خدماتهم لسد النقص في بعض الوظائف التي لا يوجد عليها إقبال من قبل فئة الشباب، وهناك مطالبات مستمرة من قبلهم بزيادة رواتبهم التقاعدية نظرا لارتفاع كلفة المعيشة في الكويت تتبناها جمعية المتقاعدين الكويتية بدعم نيابي لهم.
دراسات الدول العربية
ولعل من المناسب الاطلاع على دراسات الدول العربية والخليجية التي تطبق التقاعد المبكر أو تلك التي خفضت السن للتقاعد، فهناك على سبيل المثال دراسة لظاهرة التقاعد المبكر للمعلمات في قطر وأثرها اجتماعيا واقتصاديا نشرت في مجلة العلوم التربية الصادرة من كلية التربية جامعة قطر.
وهناك دراسة في غاية الأهمية أعدها الدكتور عبدالرسول الموسى ود. كيث ماكلاكلن بعنوان “الكويت: مجتمع النخبة المترفة – الواقع والوهم” يمكن الاستعانة بها والاطلاع عليها تحدثت في جزء مهم منها عن التقاعد المبكر في الكويت وأثره، لا سيما تقاعد المدرسات الكويتيات.
{tweetme mode=link}تقرير اللجنة المالية البرلمانية بشأن تخفيض سن التقاعد قد يكون مقبول انتخابيا وشعبيا، ولكنه لا يوفر البيانات والمعلومات الكافية لأي نائب يريد أن يتخذ قراره[/inlinetweet] بما يخدم الدولة والمواطن، والتقرير، كذلك، لا يبين للموظفين إيجابيات وسلبيات التقاعد المبكر، وهو ما يمكن اعتباره قفزا للمجهول بمستقبل الدولة والموظف معا طالما أن القرار مبني على تكهنات وتوقعات لا أساس علمي لها.
وقد يكون من الأجدى لمجلس الأمة والحكومة، التريث في التصويت على التقرير بصيغته الحالية، وإحالته مجددا الى اللجنة المالية البرلمانية وتشكيل لجنة مشتركة مع لجنة الشؤون الصحية والاجتماعية والعمل ولجنة تحسين بيئة الأعمال البرلمانيتان وذلك للخروج بتقرير متكامل يغطي كافة الجوانب لأثر تخفيض سن التقاعد.
نسخة PDF: تخفيض سن التقاعد في الكويت .. متطلبات مبنية على دراسات أم قفز للمجهول؟