دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > خيارات الحُكم في مواجهة كتاب عدم التعاون .. حسابات معقده
خيارات الحُكم في مواجهة كتاب عدم التعاون .. حسابات معقده

خيارات الحُكم في مواجهة كتاب عدم التعاون .. حسابات معقده

اكتمل عقد مؤيدو كتاب عدم التعاون الموجه ضد رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد ليصبح خيار تقديم الاستقالة قرارا لا بديل عنه، ومن المتوقع تقديمه قبل جلسة التصويت المقررة يوم الأربعاء المقبل، وهو ما يفتح باب تساؤل حول خيارات الحُكم المتاحة للتعامل مع الوضع السياسي المتأزم؟

خيارات الحُكم

قبول استقالة الخالد مؤكد في ظل التصاعد النيابي ضده وخساراته المتواصلة في الملعب السياسي، ولكن هل يعيد الحُكم تكليفه؟ الخيار متاح دستوريا، أما سياسيا، فذلك يعني أن النظام قرر الدخول في مواجهة مباشرة مع أعضاء مجلس الأمة، فإعادة التكليف رسالة بأن الخالد خياره وعلى النواب احترام القرار، ولا بديل أمامهم سوى التعامل معه.

بيد أن الشواهد السابقة تشير الى أن رسائل الحُكم لا يستجاب لها، فما نقله رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم عن القيادة السياسية بتاريخ ٦ مارس ٢٠٢٢ بطلب “تفادي استخدام الأدوات الدستورية في غير مكانها الصحيح وبشكل متعسف لا يراعي الظروف توقيتا ومواءمة”، تبعه مباشرة استجواب لرئيس الوزراء بعد ثلاثة أيام من الرسالة، علاوة على ذلك فإن إعادة تكليف الخالد رئيسا للوزراء مسبقا لم يغير من إصرار النواب على إعادة استهدافه سياسيا حتى يرحل.

رئيس وزراء جديد

تكليف رئيس وزراء جديد الخيار التالي أمام الحُكم، فمن الناحية النظرية من شأنه خلق أجواء تهدئة مع مجلس الأمة، ولكن الناحية العملية تؤكد أن التهدئة مؤقته، فالمعركة لن تنته برحيل الخالد، فهو الشق الأول من الأزمة، أما الشق الآخر فهو حل مجلس الأمة لإبعاد رئيسه مرزوق الغانم ، ولا طريق للوصول الى الغاية سوى وسيلة استمرار التصعيد على الحكومة ورئيسها الجديد أو وزرائها، فكلما استمر الغانم زادت مساحة انتصاره على معارضيه.

هذا المسار سيفتح لبعض النواب نافذة للقفز من معسكر المعارضين للخالد تحت وطأة الضغط السياسي، ويقلل من عدد المؤيدين لأي كتاب عدم تعاون يقدم الى رئيس الوزراء الجديد، إلا أن أنفاسهم في معركة إقصاء الغانم قصيرة، وقدرتهم على مواجهة الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي ضعيفة، لا سيما وأن منهم من شارك في عملية “تصويت الباركود”، مما سيضطرهم للانضمام الى معركة حل المجلس مرغمين، أي أن رئيس الوزراء الجديد معرض لمحرقة سياسية أخرى، والأسرة الحاكمة أمام إعدام جديد لأحد أبنائها في ظل استمرار معركة النواب مع رئيسهم الغانم.

حل مجلس الأمة

وهذا يضع على طاولة الحكم خيار المادة ١٠٢ من الدستور، حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة، وقد يبدو للوهلة الأولى أنه المسار الأنسب والأسرع للوصول الى استقرار سياسي، ولكن احتمالية تحوله الى عبء مرتفعة جدا ، فالحملات الانتخابية ستُعرض الأسرة الحاكمة لهجمات حادة – في هذه المرحلة على الأقل – مما يزيد من ضعفها في المعادلة السياسية، وستدفع بقوة باتجاه مصادرة حق الحكومة الدستوري في المشاركة بالتصويت على مقعد رئاسة مجلس الأمة والزامها بالحياد، وستخلق موجة غير عقلانية لتعديل لائحة مجلس الأمة بصورة غير مدروسة كعلانية التصويت على منصب الرئيس وإمكانية عزله، وعلاوة على ذلك ارتفاع سقف الخطاب الانتخابي الشعبوي ذو التكاليف المالية لا سيما مع ارتفاع سعر برميل النفط الكويتي.

أما مخرجات تلك الانتخابات، فستعيد سيناريو مخرجات المجلس المبطل الأول فبرير ٢٠١٢ حيث الأغلبية المعارضة، التي ستتدخل في التشكيل الوزاري وتفرض رئيس مجلس الأمة، وتقر القوانين الشعبوية، وتحيي مشروع العفو الشامل مجددا، وهذا الوضع يتطلب رئيس وزراء قادر على إدارة ملف التفاهمات لا أن يقدم تنازلات، على حساب الدستور أو الدولة.

لا يغيب عن الحُكم، بعد الأحداث الأخيرة، أن الثقة بأعضاء مجلس الأمة أصبحت معدومة ، فحين يوقع ٤٠ نائبا على بيان مناشدة لأمير البلاد بالعفو عن بعض المدانين في قضايا ذات طابع سياسي، وتعهدهم بتحقيق الاستقرار رغم وجود الخالد والغانم على سدة رئاسة المجلسين التنفيذي والتشريعي، ومن ثم صدور توجيهات أميرية بالحوار الوطني وبعدها مراسيم العفو، ومن ثم تبدأ الانسحابات وتقدم الاستجوابات، فأن الثقة بهم مجددا قد يكون خطأ استراتيجيا، فمن يرتد عن اتفاق من الطبيعي أن ينسحب من أي اتفاقات مستقبلية حسب ما تمليه عليه الظروف والمصلحة السياسية أو الانتخابية.

ولكن، ماذا لو ارتبط حل مجلس الأمة بتغيير الدوائر الانتخابية؟ مرسوم ضرورة بإعادة تحديدها أسوة بمرسوم “الصوت الواحد” الذي أقرت بشرعيته المحكمة الدستورية؟  هل النظام مستعد لمواجهة تصعيد شعبي جديد قد يصل الى النزول للشارع؟

ولاية العهد ورئاسة الوزراء

أيا كان الخيار الذي سيتبناه النظام، فلا شك أن الحسابات أمامه معقدة، فالأسرة تعيش حالة تصفية سياسية لأبنائها، وزحف مجلس الأمة على صلاحيات الحكومة الدستورية يتواصل، والمعارك النيابية النيابية تشتد بصورة غير مسبوقة وأثرها يمتد الى أسرة الحكم والحكومة، والنظام بحاجة الى قرار يعيد التوازن لكل الأطراف.

الكويت بحاجة إلى فترة انتقالية بعد فشل السلطتين التشريعية والتنفيذية في إدراك الخطر الذي يحيق بها، وتأخر قطارها عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية أسوة بدول الخليج، ومع المتغيرات العالمية وصراعات الأقطاب الدولية، قد يكون دمج ولاية العهد مع رئاسة الوزراء لفترة مؤقتة مخرجا لإعادة التوازن بين السلطتين وفض التشابك بينهما ، بيد أن هذا التوجه يتطلب أن يكون هناك مشروع حُكم وحاكم وبرنامج عمل حكومة جنبا الى جنب.

نسخة PDF: خيارات الحُكم في مواجهة كتاب عدم التعاون .. حسابات معقده