تعيش العملية التشريعية في الكويت حالة من الفوضى نتيجة ارتباطها بفكرة “المكسب الانتخابي” وليس الإصلاح أو التطوير، اذ أن كثير من الاقتراحات بقوانين المقدمة من النواب تفتقر الى البناء القانوني السليم نتيجة الاستعجال، وتفتقد وضوح الهدف منها، وفي غالب الأحيان لا يبحث في ارتباطاتها بالتشريعات الأخرى مما يجعلها في حالة تعارض أو تشابك أو عدم دستورية.
في تقرير سابق لـ “دارك بولتكس” بعنوان “الحريات الإعلامية في الكويت .. هاوية جديدة من القيود النيابية والسلطة الحكومية“، تبين خطورة الاستعجال في التشريع دون مراجعة متأنية، ولعل هذا الملف ليس الوحيد، بل هناك ملف آخر لا يقل خطورة عنه أثره سلبي على فئات في المجتمع.
أبناء الكويتيات والبدون
من ضمن القوانين التي سيناقشها مجلس الأمة في جلسته الخاصة المقررة يوم الخميس المقبل تقرير لجنة الموارد البشرية البرلمانية بشأن تكويت الوظائف العامة المحال بصفة الاستعجال، وبالاطلاع على النص النهائي للمشروع يتبين شبهة عدم دستورية في مواده من حيث تمييز المواطن الكويتي عن أبناء الكويتيات والمسجلين بالجهاز المركزي كمقيمين بصورة غير قانونية – أو كما يعرفوا بمصطلح “البدون” – بالإضافة الى غير الكويتيين.
ينص البند (د) من المادة الخامسة من النص النهائي للقانون في تقرير اللجنة على “لا يستحق غير الكويتي أي مكافآت دورية أو سنوية أو أي بدلات عن حضور اللجان أو أي مزايا وامتيازات أخرى باستثناء الراتب الشهري أو المكافأة الشهرية المقررة له”.
البند السابق، بالصيغة الواردة في نص القانون ينطبق أيضا على أبناء الكويتيات و”البدون”، اذ أن كلاهما لا يعتبران من فئة الكويتي قانونيا، ولم يتم استثنائهما من هذا الحظر بشكل مباشر وواضح، بالتالي ينطبق عليهما عدم استحقاق المكافآت أو البدلات أو أي مزايا أخرى أسوة بالكويتيين.
حرمان من الوظيفة
الإشكالية الأخرى في القانون الذي سيصوت عليه في الجلسة القادمة، أو المعضلة التي ستواجه أبناء الكويتيات و”البدون” أن القانون حدد مدة التعاقد معهم بسنة واحدة قابلة للتجديد، اذ نص البند أ من المادة الخامسة على “يتم التعاقد مع غير الكويتي لشغل الوظيفة العامة وفق الضواط التالية: (أ)- التعاقد لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد، على أن لا تتجاوز مدد التجديد ثلاث سنوات، بصورة متواصلة أو متقطعة .. الخ”، ويضع البند (ب) من نفس المادة سقف أعلى للتجديد الى ستة سنوات شريطة موافقة مجلس الخدمة المدنية بناء على طلب الوزير المختص.
اختلالات جسيمة
هذه القيود التي وضعتها اللجنة على غير الكويتي، بناء على مقترحات نيابية واجتهاد منها، نيران صديقة أصابت أبناء الكويتيات و”البدون”، وستحرمهما من الاستقرار في العمل بالوظائف العامة، وتصادر حقهما في العمل مجددا في الوظائف العامة بعد مرور ست سنوات في حال إقرار القانون بالصيغة التي ستعرض على مجلس الأمة في جلسة الخميس.
التسابق على إقرار القوانين واستعجال اللجان البرلمانية رفع تقاريرها الى المجلس، أصاب البناء التشريعي الكويتي باختلالات جسيمة لا سيما في السنوات الأخيرة، ويقاس أثر ذلك على طبيعة الأحكام القضائية والرسائل التي يضمنها القضاة للمشرعين والحكومة على حد سواء، فالبحث عن تسجيل أهداف انتخابية أو سياسية أصبح سمة غالبة على التشريع، ولا يستثنى من هذه الحالة الحكومة، فهي الأخرى الكثير من تشريعاتها أبطلتها المحكمة الدستورية بسبب أخطاء تدل على ضعف الجهاز القانوني الحكومي.
نسخة PDF: نيران نيابية صديقة تحرم أبناء الكويتيات و”البدون” من الوظيفة الحكومية
