يقف الاعلام الكويتي بشكل عام، والصحافة بشكل خاص أمام مرحلة جديدة من صراعهما الدائم بين القيود والحرية، وبين التوسع في مساحة الرأي والتضييق على التعبير، اذ من المقرر أن يصوت مجلس الأمة في جلسة ١٨ الشهر الجاري على المداولة الثانية لتقرير اللجنة التعليمية البرلمانية بشأن التعديلات على قانون المطبوعات والنشر.
الصراع السياسي
عبرت المداولة الأولى للتعديلات في خضم صراع سياسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضغط نيابي لتمريرها تنفيذا لوعود انتخابية، واستسلام حكومي هربا من المسائلة السياسية، لذا [inlinetweet]لم تحظ التعديلات بمناقشة إعلامية وقانونية مختصة، ولم يضعها النواب تحت مجهر التدقيق قبل التصويت عليها[/inlinetweet]، ولم يحدد أي طرف بواطن الخلل في التشريع وأثر التعديلات على إصلاحه.
وتأتي أهمية قانون المطبوعات والنشر لارتباطه بقوانين أخرى، المرئي والمسموع، الجرائم الالكترونية والاعلام الالكتروني، اذ تستمد تلك القوانين محظوراتها وعقوباتها من “المطبوعات والنشر”، وأي تعديل يتم عليه ينسحب بالتبعية على بقية التشريعات المرتبطة بالصحافة الكويتية، التقليدية والالكترونية، وما يوازيها من مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.
حماية الديمقراطية
وتعود جذور الجدال بتعديل قانون المطبوعات والنشر – منذ اقراره – حول العقوبات السالبة للحرية الواردة فيه، والسجال حول ضرورة وأهمية حماية الأفراد والمؤسسات من الإعلام الموجه والحسابات الالكترونية وابتزازهما، وتنقسم الآراء بين التشدد بعقوبات السجن، واخرى باستبدالها بالغرامات المالية العالية. بيد أن [inlinetweet]الجميع لم ينظر الى زاوية الاعلام من حيث التنظيم الحقيقي الفعال، ودوره في حماية الديمقراطية[/inlinetweet]، كأسس ينطلق منها في تطوير القوانين ودراستها وفقا للقضايا والأحكام الصادرة في دعاويها، مما يوفر مزيد من الحريات والمحافظة على الخصوصيات، ومنح الاعلام المساحة الكافية لممارسة أدواره وحماية الآخرين من انحرافاته.
بالرجوع الى المداولة الثانية المقرر مناقشتها في الجلسة القادمة لمجلس الأمة، يرى النواب أنهم يسعون – ما أمكن – الى الغاء عقوبات الحبس الواردة في القانون، وتخفيض عدد المحظورات، ولكن هل التعديلات تحقق الهدف أم أنها ستعقد أكثر من وضع الحريات والصحافة في الكويت وتدخلها في جحيم جديد من القيود؟
تقرير “التعليمية”
تقرير اللجنة التعليمية البرلمانية بشأن التعديلات النيابية على قانون المطبوعات والنشر أسهب بالحديث عن مسببات تراجع الكويت في مؤشرات الديمقراطية والصحافة والحريات الدولية، وهو الأساس الذي بررت عليه اللجنة موافقتها على التعديلات المقترحة وإلغاء بعض المحظورات، بيد أن [inlinetweet]التقرير نفسه رسم خارطة طريق للسلطة التنفيذية والقضائية لتطبيق عقوبات الحبس عبر قوانين أخرى[/inlinetweet]، فعلى سبيل المثال حذفت اللجنة المحظورات التالية:
١- إهانة أو تحقير رجال القضاء أو أعضاء النيابة العامة أو ما يعد مساسا بنزاهة القضاء وحياديته.
وفق قانون المطبوعات والنشر، فإن عقوبة هذا المحظور الغرامة المالية التي لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، وقامت اللجنة بحذفه من القانون باعتبار أن الفعل مجرم في قانون الجزاء المادة (١٤٧) التي تنص على: “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز ١٥٠ دينار .. الخ”.
٢- المساس بالحياة الخاصة للموظف أو المكلف بخدمة عامة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة له تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه.
عقوبة هذا المحظور ذات الغرامة المالية السابقة، وأعادت اللجنة ذات التوجه بحذفه لوجود نص آخر في قانون الجزاء يجرم الفعل، والتي تصل العقوبة فيه وفق نص المادة (١٣٤) الى الحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر .. فإذا وقعت الإهانة على محكمة قضائية أو أحد أعضائها أثناء انعقاد الجلسة، كانت العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنة .. الخ.
بل إن اللجنة ذهبت الى أبعد من ذلك بالقول أن حق الأشخاص في عدم المساس بكرامتهم محل حماية بأحكام السب والقذف المنصوص عليها في قانون الجزاء في المواد (٢٠٩ – ٢١٠ – ٢١١ – ٢١٢ – ٢١٣)، وتنص على الحبس لا تجاوز سنتين، الحبس لا تجاوز سنة، الحبس لا تجاوز ستة أشهر، الحبس مدة لا تتجاوز شهرا بالتوالي.
٣- إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية الى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض.
ولا تختلف عقوبة هذا المحظور عن سابقيه من حيث الغرامة المالية، ومجددا تكرر اللجنة التعليمية البرلمانية سلوكها في تحويل العقوبات الى قوانين أشد، اذ يذكر التقرير تبريرا لحذف هذا النص “لورود هذا المحظور في قانون آخر وهو المرسوم بقانون رقم (١٩) لسنة ٢٠١٢ في شأن حماية الوحدة الوطنية، الذي ينص على عقوبة السجن لما لا يزيد عن سبع سنوات للمخالفين.
أمن الدولة الإعلامي
هذا التعديل تحديدا، يعتبر الأخطر على مستوى تعديلات القانون، [inlinetweet]فقانون الوحدة الوطنية بمثابة قانون “أمن الدولة الإعلامي” من حيث الصياغة الفضفاضة والمطاطة فيما يتعلق بالرأي[/inlinetweet]، ويبسط سلطته على كافة وسائل النشر بمختلف أنواعها، وتصل فيه العقوبات المتشددة الى الحبس لما لا يزيد عن سبع سنوات ومصادرة الوسائل والأموال والأدوات والصحف والمطبوعات المستعملة، وتضاعف العقوبة في حالة العود.
تعاملت اللجنة التعليمية البرلمانية مع التعديلات من باب تخفيض عدد المحظورات وليس تحرير الاعلام الكويتي منها، وصوت أعضاء مجلس الأمة على المداولة الأولى على هذا الأساس باعتباره انجازا للحريات الإعلامية في الكويت، إلا أن الحقيقة مغايرة تماما، [inlinetweet]فما قام به البرلمان فعليا هو الغاء عقوبة الغرامة المالية على بعض المحظورات واستبدالها بعقوبة الحبس[/inlinetweet]، وهذا ما صوت عليه النواب والحكومة في جلسة ٣٠ مارس من العام الماضي.
ومن منطقة المحظورات الى منطقة أكثر حساسية في قانون المطبوعات والنشر، وهي المتعلقة بمادتين تجرمان التعرض للذات الإلهية والانبياء والرسل .. الى آخر المادة الأولى، والى شخص أمير البلاد، فقد أبقت اللجنة عقوبة الحبس لمدة سنة في الأولى، ووجهت باستخدام العقوبات الأشد في أي قوانين أخرى في المادة الثانية.
نتائج سلبية
إن أخطر أنواع التشريعات تلك التي تولد نتيجة ردود أفعال سريعة وغاضبة على حوادث فردية وليست ظاهرة أو حل لمشكلة، وأسوء أنواع التعديلات تلك التي لا تبحث عن الآثار المترتبة عليها أو تقيس مدى فعاليتها من عدمه، و[inlinetweet]أشد المواقف السياسية ضررا تلك التي يتخذها النواب من باب تحقيق المكاسب الخاصة[/inlinetweet]، وكل ذلك يمكن رؤيته في آلية التعامل مع قانون “المطبوعات والنشر”، فلا مزيد من الحريات تحقق، ولا تنظيم للعملية نتج، ولا حماية لكرامة الأفراد استقر، ولا تطوير للديمقراطية وقع!
لا شك أن [inlinetweet]ما بين الحريات والفوضى خيط رفيع، وفي ظل تطور مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة النشر والانتشار، فإن المحافظة على هذا الفاصل صعب جدا[/inlinetweet]، لكن ذلك لا يعني التخلي عن مسؤولية حراسة حريات الاعلام والصحافة، الأمر الذي يضع مجلس الأمة أمام اختبار حقيقي في جلسة ١٨ الشهر الجاري، فإما تصويت بإقرار المداولة الثانية من تقرير اللجنة التعليمية البرلمانية بالصورة المرفقة على جدول أعمال المجلس، وبالتالي فتح أبواب الجحيم على الصحافة الكويتية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أو التأني وإعادة التقرير الى اللجنة وبحثه بصورة حقيقية تهدف الى انقاذ الحريات الإعلامية من القيود المفروضة عليها بالتوازي مع المحافظة على كرامات الأفراد وحقوقهم.
نسخة PDF: الحريات الاعلامية في الكويت .. هاوية جديدة من القيود النيابية والسلطة الحكومية