هل تكون الحكومة القادمة الأخيرة لسمو الشيخ صباح الخالد؟ لا يمكن الجزم بالإجابة إذ أن الأمر بيد رئيس الدولة، وهو من يملك قرار استمراره أو إعفائه من تشكيل الوزارات المقبلة، غير أن الأجواء داخل الأسرة الحاكمة تعطي مؤشرات على أن الحكومة القادمة لسموه قد تكون الفرصة الأخيرة له، فإما نجاح يعبر به الأزمات أو فشل يخرجه من المشهد السياسي.
خسائر الأسرة
يعتبر الشيخ صباح الخالد أول رئيس مجلس وزراء يكلف من أميرين (المغفور له الشيخ صباح الأحمد والحالي سمو الشيخ نواف الأحمد) وولي عهد (سمو الشيخ مشعل الأحمد) بتشكيل حكومات، وهذه السابقة لها دلالة تمسك كبار الأسرة الحاكمة به رئيسا للحكومة رغم الأحداث التي مر بها، بيد أن الأسرة تدرك جيدا أن رصيدها من رصيد رئيس الوزراء – أيا كان – والعلاقة هنا طردية ، فكلما نجح رئيس السلطة التنفيذية ارتفعت أسهم الأسرة شعبيا، وكلما تعثر ارتفعت الأصوات المطالبة بإبعاد الشيوخ عن المنصب.
ولا يغيب عن نظر الأسرة الحاكمة حجم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها مع أبنائها في المعترك السياسي – على مستويات مختلفة ولأسباب متعددة – خلال السنوات الأخيرة، وأثر ذلك على قوتها وتماسكها، لذا فهي في وضع لا يحتمل المزيد من استنزاف الرصيد، بل إن استبدال رئيس الوزراء في مرحلة ما قد يكون أحد الحلول لوقف النزيف، وهو ما يزيد من أعباء مسؤوليات الخالد تجاه الأسرة ومستقبلها.
الصدام مع مجلس الأمة
وبقراءة المشهد المحلي، وتصاعد وتيرة الخطاب النيابي والسياسي، فإن الخالد أمام مرحلة قادمة – لا محالة – من الصدام مع مجلس الأمة والعديد من أعضائه ، والحديث عن إصلاح سياسي واقتصادي لن يتجاوز حدود الصفحات التي سيكتب بها برنامج عمل الحكومة والمشاريع بقوانين أو الاقتراحات التي سيتقدم بها بعض النواب.
ولا يلوح في أفق الحكومة – على المدى القصير والمتوسط – أي بوادر لمشاريع تنموية أو سياحية للحاق بركب دول الخليج التي ابتعدت في تطورها كثيرا عن الكويت، بل إن خزينة الدولة مهددة بالانهيار ولا تحتمل الصرف على أية مشاريع إضافية باستثناء الرواتب وبعض الالتزامات ، وهذا نتيجة الفساد والهدر المالي الكبيرين في الجهاز الحكومي على مدار السنوات.
الجولة الأخيرة
المسار الوحيد أمام الشيخ صباح الخالد هو دخول دور الانعقاد الثاني باعتباره الأخير له في حياته السياسية ، والتعامل معه على هذا الأساس، فلا يوجد ما يخسره بعد خسارته ثلاث جولات مع مجلس الأمة، الأولى حين قدم له استجواب في بداية دور الانعقاد الأول وعلى إثره استقالت الحكومة، والثانية حين أجرى حوارا مع عدد كبير من النواب في شهر فبراير الماضي وارتدوا على الاتفاقات وقدموا له استجوابات، والثالثة والأخيرة، ما يسمى الحوار الوطني، والذي لم تختلف نتائجه عن الحوار السابق.
خسائر الخالد لم تتوقف عند أروقة مجلس الأمة، بل امدت الى داخل بيته الحكومي، فأغلب الوزراء انقلبوا على رئيسهم، وفتحوا قنوات اتصال مباشرة مع القيادة السياسية لمناقشة قراراتهم وأعمال وزاراتهم ، بل وترشيحاتهم للمناصب القيادية وأخذ الموافقة والمباركة، متجاوزين في ذلك رئيسهم ومتجاهلين أصول العمل الحكومي مما أدى الى تهميش دوره في كثير من القرارات. ومن يخسر موقعه في السلطتين، يخسر الشارع والجمهور أيضا.
الخروج المشرف
أمام هذا الحقائق، فلا خيار أمام صباح الخالد في الفصل التشريعي الحالي سوى التفكير في خطة لـ “الخروج المشرف” ، وليس الرهان على ولاء الحرس القديم من الوزراء ممن سيجدد لهم أو وعود الجدد منهم وأدائهم التنفيذي، ولا على “عقلانية النواب” في التعاطي مع الأحداث، فالجميع سيبحث عن مصلحته الخاصة والشخصية، الوزراء سيكون جل عملهم توفير حصانة لهم وليس للحكومة متضامنة أو الرئيس، والنواب عينٌ على الانتخابات ورضا قواعدهم الانتخابية من جهة، وعين أخرى على النواب السابقين العائدين من تركيا وتحركاتهم للعودة الى المشهد السياسي.
الطرف الوحيد من بين كل تلك الأطراف الذي لم يرسم له خطة عمل سياسية واضحة هو الشيخ صباح الخالد، وهي خطة مرتبطة بشخصه وأدائه ومستقبله – تختلف عن خطة عمل الحكومة -، ولعل سبب ذلك هو غياب فريق سياسي محترف من حوله، قادر على قياس الأحداث والتعامل معها بـ “واقعية” وتقديم النصح بـ “صدق” ، ولعل نتائج “الحوار الوطني” أفضل مثال يلخص الحالة التي يعيشها سموه، إذ خرجت كل الأطراف بأرباح – بمن فيهم الوزراء المشاركين – باستثناء الخالد الذي يصر على التعامل مع منصب رئيس مجلس الوزراء بدبلوماسية منصب وزير الخارجية.
الحوار الوطني
ما لم يحققه ما يسمى بـ “الحوار الوطني” والعفو الأميري من استقرار وتعاون بين السلطتين، لن تجدي معه نفعا اقرار بعض القوانين والتشريعات، ولن يحرر عدد كبير من النواب من أسر الضغوط الخارجية وموجات مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام، وليس أمام الخالد سوى أن يكون محاربا حقيقيا يحاسب وزرائه ويواجه النواب حتى يكون خروجه، اذا اقتضت الأحداث، “مشرفا” .
