يواجه رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك استجوابه الثامن في مسيرته السياسية بتوقيع النائب حمدان العازمي، وتضمنت صحيفة المساءلة ستة محاور وهي: تراجع الكويت في مؤشر مدركات الفساد، تجاوزات حساب العهد، عدم اصدار اللوائح التنفيذية لبعض القوانين، سحب الجناسي، مشكلة البدون وأخيرا استمرار الايقاف الرياضي.
لكل استجواب خلفية سياسية ودوافع نيابية، بعضها متعلق في الصالح العام وبعضها الأخر مرتبط بمصالح محدودة، ومساءلة المبارك الأخيرة ليست استثناء من تلك القاعدة، فكيف ولد الاستجواب؟
شرارة التصعيد
اصدر مجلس الوزراء المرسوم رقم ٩٤ لسنة ٢٠١٨ بتحديد الدوائر الانتخابية لعضوية المجلس البلدي، ونشر في الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” بتاريخ ٢٥ مارس ٢٠١٨، ومن هنا بدأت شرارة التصعيد من قبل العازمي إذ أعلن في اليوم التالي نيته توجيه استجواب الى رئيس الوزراء ما لم يتم سحب المرسوم، واعتبر “ضم منطقتي مبارك الكبير وجابر العلي الى منطقة الصباحية رغم انها في محافظة الأحمدي في دائرة واحدة توزيع غير عادل وغير منصف وفيه ظلم للأقلية والأغلبية الموجودة في الدوائر”، وذهب الى ما هو أبعد من ذلك بقوله “فيه ظلم .. وأنا اتكلم كقبيلة العوازم ما تحطني بهذه الصورة ولا تحرجني بهذه الطريقة”.
لقد سعي العازمي الى وقف مرسوم الدعوة لانتخابات “البلدي”، بعد التهديد بالاستجواب، فقدم اقتراحا بأول جلسة تلت تصريحه بتاريخ ٣ الشهر الجاري لتعديل قانون البلدية بما يمنح البرلمان، وليس مجلس الوزراء، سلطة تحديد الدوائر الانتخابية أسوة بنظام مجلس الأمة.
في المقابل كانت هناك تحركات من النواب د. نايف المرداس ود. محمد الحويله ومبارك الحجرف لاستعجال الحكومة إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات كما انتهى اليه التقسيم الحكومي لدوائر “البلدي”، ففي ذلك حماية لمقعد قبيلة “العجمان” بالدائرة التاسعة من محاولات “العوازم” لخطفه.
أهمية “دوائر البلدي”
ولكن ما أهمية تقسيم الدوائر للنائب العازمي؟ تعتبر الدائرة العاشرة من دوائر “البلدي” ذات وزن انتخابي لقبيلة العوازم، فكرسيها محسوم لمرشحها، أما في الدائرة التاسعة فتعتبر من الأقليات في حين تمثل قبيلة “العجمان” الأغلبية الانتخابية وكرسي الدائرة لها، وبإضافة منطقتي مبارك الكبير وجابر العلي الى “العاشرة” فإن ذلك أضعف حظوظ “العوازم” في الحصول على كرسي آخر في “البلدي – الدائرة التاسعة”، وزاد من احتمالات الخلاف داخل القبيلة على كرسي “العاشرة”.
المقعد الإضافي للقبيلة من شأنه تعزيز موقع العازمي بين القبيلة في الدائرة الخامسة للانتخابات البرلمانية المقبلة ، وترسيخ وضعه السياسي كممثل نيابي حقيقي لـ “العوازم” والمدافع عن مصالحهم، والاستفادة من قواعد أبناء عمومته المرشحين لانتخابات “البلدي” في انتخابات مجلس الأمة.
ولطالما كان تقسيم “دوائر البلدي” يشكل هاجسا للنائب حمدان العازمي، فقد سبق وأن أثير هذا الموضوع في جلسة ١٣ يونيو ٢٠١٦، في المجلس السابق، ولم يتم التوصل الى اتفاق نيابي نيابي على تقسيم الدوائر، مما دعى الحكومة الى التدخل – بترتيب مع بعض النواب – وطلبت تعديل قانون البلدية بحيث تصدر الدوائر بمرسوم وليس قانون.
وكان اعتراض العازمي على هذا التعديل شديدا وبلغ حد الصدام مع زملاءه النواب، وتطورت أحداث تلك الجلسة بتبادل قذف الأحذية بينه وبين النائب السابق سلطان اللغيصم.
لم يكن هذا التهديد الأول للنائب العازمي باستجواب رئيس الوزراء في أمر يتعلق بقبيلته، فقد سبق وأعلن استجوابا لسموه إن لم يطلق اسم أحد أبناء العوازم على شارع في الدائرة الانتخابية الخامسة لمجلس الأمة .
لم تلتفت الحكومة الى تهديدات العازمي بالاستجواب، وتمسكت بمرسوم توزيع المناطق لانتخابات “البلدي”، وهو قرار سياسي للحفاظ على العلاقة مع بقية مكونات مجلس الأمة القبلية خاصة “العجمان” ، فهناك قبول بالتقسيم الحكومي إذ حافظ على مقاعد القبائل (العوازم في الخامسة، الرشايدة في السادسة، مطير في السابعة، العنوز في الثامنة، العجمان في التاسعة والعوازم في العاشرة)، كما حافظ على مقعد الشيعة في الأولى، والعوائل الحضرية السنية في الثانية والثالثة والرابعة.
وأعلن مجلس الوزراء في ٩ أبريل موعد اجراء الانتخابات في ١٢ مايو المقبل، فما كان من النائب العازمي في اليوم ذاته سوى إعلان تقديمه استجواب رئيس الوزراء خلال أيام، وهو ما تم فعليا إذ قدم صحيفة المساءلة في ١٩ أبريل.
أخطاء الاستجواب
أدرك العازمي خسارته لمعركة “دوائر البلدي”، وكرسي القبيلة الجديد في “التاسعة”، ولكن كيف يمكن أن يحول الخسارة الى انتصار؟ بتقديم استجواب لرئيس الوزراء فإنه كسب شارع القبيلة ودعمهم بشكل كامل، وبتضمين الصحيفة ستة محاور لقضايا حساسة فإنه بذلك صنع غطاءً سياسيا، لإبعاد تهمة “الاستجواب القبلي” وإحراج النواب لا سيما ممن استجوبوا الرئيس المبارك في قضايا متطابقة.
إلا أن هناك أخطاء ارتكبها العازمي لا يمكن تجاوزها بسهولة نيابيا، فالنائب أعلن صراحه إن استجوابه يعود الى الظلم الذي أصاب “العوازم” من توزيع الدوائر الانتخابية، مما يؤكد أن مساءلته ذات أهداف ودوافع قبلية، فإن كان ذلك يخدمه انتخابيا فلن يفيده نيابيا.
أما الخطأ الثاني فترتب على اقحامه كل تلك القضايا في استجوابه دون الأخذ في الحسبان وجود لجنة برلمانية برئاسة النائب د. جمعان الحربش وعضوية النائبان راكان النصف ود. عودة الرويعي لا تزال تعد تقريرها بشأن محاور استجوابين سابقين قدما الى الرئيس المبارك في المجلس الحالي ولم تصدر توصياتها بعد، وتتطابق أربعة محاور منها مع استجوابه.
آخر الأخطاء فهو تقديم الاستجواب قبل صدور حكم محكمة التمييز في قضية “دخول المجلس”، فهناك مساعي لأكثر من ٢٤ نائبا للوصول الى توافق مع الحكومة لتمرير قانون العفو الشامل عنهم، وإعادة الجناسي المسحوبة من ضمن قانون تجنيس ٤ آلاف شخص الذي أقره المجلس الحالي، فدعمهم للاستجواب في الوقت الراهن لن يخدم مساعيهم، أما لو جاء بعد الحكم – وفي حال تأييد أحكام الحبس – فإن موقف المبارك سيكون ضعيف جدا، وفي حال البراءة أو وقف تنفيذ الأحكام فإن النواب سيكونون متحررين من ضغوط القضية عليهم في الاستجواب.
مواقف النواب
فهل من المتوقع أن ينجح الاستجواب في ظل تلك الأخطاء؟ من المؤكد أن هناك خمسة أسماء مستعدة لتوقيع طلب عدم التعاون مع المبارك وهم محمد المطير، شعيب المويزري، د. وليد الطبطبائي، صالح عاشور، حمدان العازمي، أما موقف النائبان مبارك الحريص ومحمد الهدية سيكون محل متابعة كونها يمثلان “العوازم” في الدائرة الأولى.
أما بقية النواب فهم أمام خيارات مفتوحة، أسوءها للحكومة تأييد الاستجواب كرسالة اعتراض على المبارك ومن ثم الوصول الى العدد المطلوب لتقديم كتاب عدم التعاون، أو أخذ موقف الحياد أو معارضته نظرا للدوافع التي ينطلق منها الاستجواب.
بالنسبة للنائب العازمي فإن أي خيار يتخذه النواب لن يعود عليه بالضرر، فنجاح الاستجواب يمثل نجاحا له على المستوى العام، وفشله أيضا يعتبر نجاحا ولكن على مستوى القبيلة .
نسخة PDF: استجواب حمدان للمبارك: صراع قبلي بغطاء سياسي على كرسي “البلدي”
