أثارت رسائل وزيرة الدولة لشؤون الاسكان ووزيرة الدولة للخدمات العامة د. جنان بوشهري بطلب أجل للرد على أسئلة برلمانية موجه لها لغطا نيابيا، إذ اعتبر عدد منهم ادراجها على جدول أعمال المجلس غير صحيح، فيما رأى آخرون أن الخطوة تطبيق سليم لنص المادة ١٢٤ من لائحة مجلس الأمة، والتي تنص على ”يجيب رئيس مجلس الوزراء أو الوزير على السؤال في الجلسة المحددة لنظره ولرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص أن يطلب تأجيل الإجابة إلى موعد لا يزيد على أسبوعين، فيجاب إلى طلبه، ولا يكون التأجيل لأكثر من هذه المدة إلا بقرار من المجلس“.
بالعودة الى اللائحة الداخلية للمجلس، الفصل الثاني/الفرع الثاني: الأسئلة، يتضح أن بوشهري طبقت المادة ١٢٤ كما وردت في النص حرفيا، وإدراج رئيس مجلس الأمة رسائلها على جدول الأعمال وعرضها على المجلس قرار متوافق مع اللائحة.
تطبيق اللائحة أم العرف
هذا ”التطبيق الاستثنائي“ واللغط النيابي فتح باب استفهام حول الآلية السليمة في تفعيل أداة السؤال البرلماني، وهي من الأدوات المنصوص عليها دستوريا في اطار الرقابة النيابية علي الأداء الحكومي، فهل هناك تطبيق فعلي للنص اللائحي؟ هل العرف وضع قواعد جديدة؟ أم المسألة برمتها مجرد لعبة سياسية لا تعني تفاصيلها الحكومة والنواب؟
لقد درجت العادة في المجالس السابقة أن يوجه النواب الأسئلة البرلمانية ”مكتوبة“ الى رئيس مجلس الأمة، والذي يقوم بإحالتها الى الوزراء المعنيين مع تأشيره بموعد ادراجها على جدول أعمال المجلس، وبعدها تبدأ فترة الاسبوعان للرد على الأسئلة كما جرى العرف.
وفي الجلسة المدرج على جدول أعمالها الأسئلة، يستخدم بعض النواب حقهم في ”التعقيب“ بالهجوم على الوزراء أو الثناء عليهم، وعادة ما يكون الوزراء مستمعون دون تقديم الردود، وتنتهي الأمور عند هذا الحد بانتظار تقديم الأجوبة ”مكتوبة“، وفي كثير من الأحيان تتجاوز مدة الرد الاسبوعين، وفي أحيان أخرى لا تصل الاجابة أبدا، ونادرا ما يطلب الوزراء مد أجل الإجابة عبر رسالة الى رئيس مجلس الأمة الذي يحيلها الى النواب المعنيين دون ادراجها على جدول أعمال المجلس.
الردود الشفهية والمكتوبة
بالعودة الى الفرع المخصص للأسئلة البرلمانية من لائحة مجلس الأمة، فإن المادة ١٢٢ نصت صراحة على أن السؤال البرلماني يجب أن يكون ”موقعا من مقدمه، ومكتوبا بوضوح وإيجاز قدر المستطاع …“ أي أن ”كتابة“ الأسئلة أمر وجوبي للتقديم ولا يمكن توجيهها ”شفهيا“ إلا في حالة واحدة وهي مناقشة الميزانية أو أي موضوع مطروح على المجلس كما نصت على ذلك المادة ١٢٨.
وألزمت المادة ١٢٣ رئيس مجلس الأمة ادراج السؤال على جدول أعمال أول جلسة تالية من تاريخ ابلاغه الى رئيس الوزراء أو الوزير. وابلاغ الوزير بالموعد بهدف تمكينه من الاستعداد لتقديم الاجابة بالمجلس كما يتضح من المادة التي تليها.
أما المادة ١٢٤ فحددت الإجراءات المتبعة للإجابة، فتوضح ”يجيب رئيس مجلس الوزراء أو الوزير على السؤال في الجلسة المحددة لنظره ولرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص أن يطلب تأجيل الإجابة إلى موعد لا يزيد على أسبوعين، فيجاب إلى طلبه، ولا يكون التأجيل لأكثر من هذه المدة إلا بقرار من المجلس“، أي أن الإجابة ”المكتوبة“ ليست مشروطة أو وجوبية كما هو الحال لتقديم السؤال، وبالإمكان تقديمها ”شفهيا“ أثناء المناقشة.
كما اتاحت لرئيس الوزراء أو الوزير بموافقة موجه السؤال أو في حال غيابه بـ ”ايداع الاجابة أو البيانات المطلوبة في الأمانة العامة للمجلس واثبات ذلك في مضبطة المجلس“، والايداع هنا يلزم تقديمها ”كتابة“.
ضوابط التأجيل
اما ضوابط التأجيل – كما وردت في المادة – فإن الطلب يقدم في جلسة المناقشة وليس قبلها أو بعدها، ولم تشترط أن يكون ”مكتوبا“ أيضا أي أن الطلب ”الشفهي“ خيار متاح، فإن كان مد أجل الإجابة لا يزيد عن اسبوعين، أي موعد الجلسة التالية، فإنه يجاب الى طلبه دون الحاجة الى موافقة المجلس، فإن زادت المدة عن ذلك فيتطلب الأمر تصويتا وقرارا من المجلس.
وجوب الرد ”كتابة“ على السؤال البرلماني ورد صراحة في نص المادة ١٣١ ”الأسئلة التي توجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء فيما بين أدوار الانعقاد يبعثون بالرد عليها كتابة إلى رئيس المجلس فيبلغها إلى الأعضاء الذين وجهوها، ولا تتقيد الإجابة على هذه الأسئلة بالمواعيد المقررة في المواد السابقة، وتدرج في جدول أعمال أول جلسة تالية للمجلس“. وهو أمر طبيعي، ففي العطلة البرلمانية تتوقف الجلسات الاسبوعية ولا يستطيع الوزير تقديم الإجابة ”شفهيا“ أو طلب التأجيل في الجلسة.
ويتضح مما سبق أن الأصل في الرد على الأسئلة البرلمانية هي الإجابة ”الشفهية“ المباشرة في قاعة عبدالله السالم، أما الردود ”المكتوبة“ فهي الاستثناء وفي حالات محدودة ومشروطة: بموافقة موجه السؤال أو في حال غيابه، وبين أدوار الانعقاد.
تجاوز على الإجراءات
بمقارنة واقع التعامل مع الأسئلة البرلمانية مع النصوص اللائحية، فيتضح أن هناك تجاوزا كبيرا على الاجراءات، والقول أن العرف جرى على هذا النحو، فإن ذلك لا يبرر المخالفة طالما توفرت النصوص، والأصل في العرف أن يملي فراغا تشريعيا أو لائحيا لا أن يكون بديلا لهما.
فعدم الإجابة على السؤال في الجلسة المحددة بمثابة امتناع الوزير، وعدم طلبه التأجيل فذلك تنازلا عنه حقه ، وفي حال عقب النائب على السؤال أو امتنع فهنا الأركان الاجرائية للسؤال تكون اكتملت، ويرفع من بند الأسئلة من على جدول أعمال المجلس.
من المعروف أن العديد من الأسئلة البرلمانية لا يكتبها النواب، بل أطراف مرتبطة في القضية تبحث عن معلومات ما أو تسعى للحصول على مستندات حكومية رسمية، أو ابتزاز وزير، فماذا لو تمسكت الحكومة ورئيسها ووزراؤها بنص اللائحة لآلية الإجابة على الأسئلة البرلمانية؟ فما هي المكاسب التي ستحققها في مرمى النواب؟
المكاسب الحكومية
الردود ”الشفهية“ في الجلسة ستجنب الوزراء تقديم بيانات ومستندات لها طبيعتها الخاصة ، لا سيما وأن الكثير من الأسئلة متعلقة بنتائج تحقيق اداري أو لتعاقدات مالية مع شركات خاصة، وأحيانا تكون مباشرة عن قياديين وموظفين بشكل شخصي، مما يجعل تلك المستندات قابله للاستخدام في مواضع أخرى ليست بالضرورة أن تكون سياسية.
كما أن الردود ”الشفهية“ للوزراء ستضعهم في مركز أفضل من النواب في الجلسة، لا سيما إن كانت فنية وتفصيلية فقد لا يتمكن النائب من متابعة تفاصيلها أو التعليق عليها خاصة وإن كانت مقدمة بـ ”الوكالة“ عن آخرين، مما قد يضطره الى الامتناع أو التعقيب بعيدا عن أصل الاجابة، وفي كلا الحالتين فإن أركان السؤال والاجابة تكون اكتملت، وبإمكان النائب الرجوع الى المضبطة للاطلاع على الردود.
والتمسك بالرد ”الشفهي“ على الأسئلة في جلسة عامة من شأنه أن يوفر للوزراء فرصة ذهبية في بيان الحقائق لكافة النواب مبكرا ، خاصة ان كانت الأسئلة تجهيز لمادة استجواب، بالتالي فإن المناقشة ستكون أشبه الى استجواب مصغر ولكن بدون بقية الإجراءات من كتاب طرح الثقة أو عدم التعاون ووجود متحدثين مؤيدين ومعارضين، وتصعيد إعلامي وفي وسائل التواصل الاجتماعي، فالوزير سيكون بعيدا عن كل تلك الضغوط .. فالاستجواب أساسا سؤال برلماني ولكنه مغلظ.
وعلى صعيد متصل، فإن المادة ١٢٩ من اللائحة حددت مدة النقاش في بند الأسئلة بنصف ساعة – ما لم يقرر المجلس التمديد – بالتالي فإن الوزراء غير مسؤولين ”لائحيا“ عن تأخر تقديم الردود طالما لم يصل دور الإجابة عليها ، وسيجنبهم الوقوع تحت ضغط التهديد النيابي بتحويل الأسئلة الى استجوابات في حال التأخير، وهو ما سيوفر لهم مزيدا من الوقت لمراجعتها أو اتخاذ قرارات بشأنها في حال اكتشاف تجاوزات أو مخالفات بعيدا عن عامل الضغط الوقتي.
المكاسب النيابية
ما سبق كانت المكاسب الحكومية، ولكن ذلك لا يعني انعدام المكاسب النيابية، فالنائب الذي يتعامل مع أسئلته بجدية، سيضع الوزراء أمام خيارات لن يقبل أن يكون من ضمنها عدم الإجابة ، فإما اجابة في ذات الجلسة، أو تأجيل اسبوعين تلزم الوزير بالرد بعدها مما يترتب عليه الخروج من دهاليز التعطيل الحكومي في الرد على الأسئلة البرلمانية.
كما أن نص المادة ١٢٧ من اللائحة أعطت النائب الحق بتحويل السؤال الى استجواب وهو ما يضع الوزراء أمام مسؤولياتهم السياسية في الالتزام بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها في اللائحة، ولا يتحمل النائب بعدها مسؤولية التصعيد السياسي أو الاتهامات بعدم التدرج في استخدام الادوات الدستورية.كما أن نص المادة ١٢٧ من اللائحة أعطت النائب الحق بتحويل السؤال الى استجواب وهو ما يضع الوزراء أمام مسؤولياتهم السياسية في الالتزام بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها في اللائحة، ولا يتحمل النائب بعدها مسؤولية التصعيد السياسي أو الاتهامات بعدم التدرج في استخدام الادوات الدستورية.
وأخيرا، فكما أن كثير من النواب غير ملمين بأسئلتهم البرلمانية، فهناك وزراء بعيدين عن فهم أعمال جهاتهم الحكومية ومتابعتها، والإجابة المباشرة قد تشكل حرجا وتوقعهم في أخطاء قد تكلفهم منصبهم الوزاري ، لذا فهم لا يرغبون في المواجهة المباشرة مع النواب.
التطبيق الأمثل لإجراءات السؤال البرلماني وفق اللائحة له مكاسب وخسائر سواء للوزراء أو النواب ، والمسألة مرتبطة بكيفية استخدام هذا الحق، ومتى ومع من وما هي الظروف السياسية في حينه، وبقاء التطبيق بالشكل الحالي – المتجاوز على النصوص – قد يعتبر نوعا من الموائمة في العلاقة ما بين الحكومة ومجلس الأمة، فلا السلطة التنفيذية تريد استفزاز النواب، ولا النواب يريدون الوقوع في مصيدة الإجابة المباشرة لأسئلة ليس بالضرورة لهم علاقه بها، بل أن تأخر الردود تعطيهم سلاح فعال في الابتزاز والتصعيد.
لقد خلقت الحكومة العديد من الأزمات السياسية والنيابية بسبب ابتعادها عن روح الدستور وتطبيق القوانين، فهل يكون حقها في “الردود الشفهية” على الأسئلة البرلمانية أزمة أخرى؟ أم يقبل النواب باستخدام الوزراء سلاح السؤال البرلماني ضدهم؟
نسخة PDF: كيف تستطيع الحكومة تحويل السؤال البرلماني الى سلاح ضد النواب؟
