دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > حرية التعبير والرأي في الكويت: حالة متناقضة سياسيا وشعبيا

حرية التعبير والرأي في الكويت: حالة متناقضة سياسيا وشعبيا

تشكل قضايا الحريات في الكويت أحد أوجه الخلافات العميقة ما بين أعضاء مجلس الأمة وكتله، والقوى السياسية وتياراتها، ومكونات الشعب وأفراده، فرغم الاتفاق الشكلي على أهميتها والدفاع عنها، إلا أن لكل فئة فهمها الخاص للحريات وحدود المستويات التي يجب أن تقف عندها.

 ونتيجة لذلك التفاوت في الفهم، فإن طبيعة الأحداث والموجه الشعبية والصرعات الفئوية تجاهها تلعب دورا رئيسيا في تحول المدافعين عن الحريات الى مناهضين لها ، والعكس صحيح، وهذا ما يبدو واضحا وجليا في تعامل السياسيين مع قضايا الحريات، إذ أن الحدث هو المحرك الرئيسي لاتخاذ الموقف وليس القناعة بحقوق الفرد بحرياته.

بإسقاط تلك الحالة المتناقضة في فهم الحريات بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص، على المطالبات بتعديل التشريعات القائمة باتجاه إلغاء عقوبات السجن عن أصحاب الرأي، فإن المزاج السياسي والشعبي لا يعطي انطباعا إيجابيا تجاه تحقيق تلك الأهداف.

إشكاليات حرية التعبير

صحيح أن الشارع السياسي والشعبي تعالت أصواته تجاه رفع مستوى حرية التعبير في الآونة الأخيرة، إلا أن ما يتم طرحه وتسويقه نيابيا وإعلاميا لا يخرج عن العناوين العامة لحماية أصحاب الرأي من أحكام السجن، أما التفاصيل فهي محرجة، لذا دائما ما يتم تجنب الحديث فيها ومناقشتها، فالشارع الذي يطالب برفع السقف هو ذاته سيعترض على التعديلات متى ما تقاطعت مع مفاهيمه ومعتقداته الخاصة.

ولقياس ذلك، فإن القوانين الكويتية التي تشمل في موادها عقوبات الحبس المتعلقة بالرأي تنحصر في ثلاثة اتجاهات رئيسية، أولا الإساءة للذات الإلهية والأنبياء والصحابة وزوجات النبي وآل البيت، ثانيا الإساءة للذات الأميرية، وأخيرا التعرض الى الدول الشقيقة ورؤسائها.

الحديث عن الغاء عقوبات الحبس في قضايا الرأي التي يكون فيها الدين الطرف الآخر، تمثل اشكالية عقائدية تتجاوز مفهوم الحريات الى مرحلة التشابك التي تعيشها الكويت حول هويتها ونظامها السياسي، فهي دولة مدنية بمجتمع أغلبيته تحول الى التدين شكليا أو فعليا. لذا فإنه من السهل اثارة الشارع سياسيا وشعبيا لمعارضة تلك التعديلات تحديدا، إذ أن العامل الديني بات أقوى من الحاجة للحريات.

الدولة العشائرية

أما على صعيد قضايا الإساءة للذات الأميرية، فالقوانين التي تنص على عقوبات الحبس فهي تنطلق من إرث الدولة العشائرية التي نجحت في ان تكون جزءا من النظام الدستوري عبر نصوص واضحة ، فالأمير رئيس الدولة ذاته مصونة لا تمس وهو رئيس السلطات الثلاث، وهنا الإشكالية الأخرى التي تعاني منها حريات الرأي والتعبير “سياسيا”، فالدستور أعطى لرئيس الدولة كامل الصلاحيات في إدارة الدولة وفي الوقت ذاته وضعه في مرتبه غير قابله للانتقاد والمساس، حفاظا على “هيبة الحكم”.

وما بين “الهيبة العشائرية” و”النقد المدني”، يكمن صراع الدولتين، والذي انعكس وتأثر به مستوى حريات التعبير والرأي.

وعلى صعيد متصل، فهناك عامل لا يمكن تجاهله في حال فُتح ملف إلغاء عقوبات السجن للمسيئين للذات الأميرية، وهو “الخوف والقلق على مستقبل النظام والدولة” الذي سيطر على فئات من الشعب ليست بقليلة بعد أحداث الحراك السياسي الذي انطلق في نوفمبر٢٠١١ وما ترتب عليه من تصعيد، فلم توفر الخطابات السياسية ونوعيتها – والتي تجاوزت سقف الحريات المتاح – الطمأنينة ، مما دفع الكثيرون الى التمسك بـ “الهيبة العشائرية” بحثا عن صمام أمان وإن كان على حساب تراجع مستوى حريات التعبير.

الاستثمار في الخلاف الخليجي

وفيما يتعلق بالتعرض للدول الشقيقة ورؤسائها، فإقرار تلك التعديلات أو رفضها، ووفق الظروف التي تمر بها منطقة الخليج العربي تحديدا، فمنطلقاتها لا تبدو من رحم الايمان بحرية التعبير عن الرأي، بل من واقع الصراعات السياسية الداخلية، والخارجية مع الدول المجاورة بسبب الأزمة الخليجية الراهنة.

لقد تغيرت الكثير من الظروف والاصطفافات بعد الأزمة، فمن رفع سقف المطالب بملاحقة المسيئين لدول الخليج ورموزهم، يبحث اليوم عن مخارج لخفض السقف بعد أن أصبح في مرمى عقوبات السجن. ولكن هل فعلا حرية التعبير والرأي هي الهدف الوحيد المنشود لمثل تلك التعديلات؟ أم أن هناك من يسعى الى استثمار حرية التعبير والرأي لتحقيق استفادة من الخلاف الخليجي – الخليجي ، لا سيما وأن الكويت أرض خصبة لإدارة المعارك الإعلامية بين الدول الخليجية المتنازعة.

من هم أصحاب الرأي؟

التعديلات التشريعية نحو الغاء عقوبات السجن في قضايا الرأي خطوة إيجابية بكل تأكيد في الدول المدنية والديمقراطية ، ولكن قد تتطلب الأوضاع في موازاة ذلك وضع تعريف واضح لمن هم أصحاب الرأي، وما هي الحدود الفاصلة ما بين التعبير والإساءة.

وقبل ذلك، فإن المناهج التعليمية في الكويت لا تسع لغرس مفاهيم الرأي والرأي الآخر وتقبل الآخرين ، ولا تعزز كثيرا من مفاهيم الحريات العامة الحقيقية من حيث حرية اعتناق الأديان وإقامة الشعائر الدينية والبحث العلمي والحريات الشخصية .. الخ رغم أنها محمية دستوريا، لذا فإن أي تعديل تشريعي في هذا الصدد بعيدا عن إعادة بناء مفهوم الحريات بشكلها العام وحرية التعبير بشكلها الخاص في المواطن فلن تأتي بنتائج ذات قيمة.

نسخة PDF: حرية التعبير والرأي في الكويت: حالة متناقضة سياسيا وشعبيا