تعتبر أصول الصندوق السيادي الكويتي، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار، من الكنوز مجهولة القيمة بعكس صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، أكبر صندوق سيادي في العالم – على سبيل المثال – الذي يتميز بأعلى شفافية بالإعلان على موقعه الالكتروني عن قيمته ونوعية استثماراته وتوزيعها جغرافيا.
ولا توجد أسباب معلنة لهيئة الاستثمار بعدم الافصاح عن قيمة الصندوق السيادي، إلا أن وزير المالية عادة ما يستعرض في الربع الأول من كل عام، وفي جلسة سرية بمجلس الأمة الحالة المالية للدولة، حيث يقدم للنواب أرقام الاستثمارات الكويتية المحلية والخارجية، بما فيها أصول الصندوق السيادي للكويت وأداءه.
الغموض والشكوك
{tweetme mode=link}الغموض الذي يحيط بالصندوق السيادي الكويتي، يضع هيئة الاستثمار في موضع شك[/inlinetweet] دائم سواء من قبل النواب أو المواطنين، وهو أمر طبيعي ومتوقع في ظروف السرية التي تحيط بمئات البلايين من الدولارات من المال العام، فكلما زاد الغموض، زادت الشكوك، مما يدفع المختصون والاقتصاديون من داخل وخارج الكويت الى البحث عن مصادر معلوماتية أخرى غير الرسمية لمعرفة أصول الصندوق وقيمته، وهي معلومات في غاية الأهمية للمستثمرين الاجانب لمعرفة القوة الاقتصادية للكويت خاصة مع تراجع اسعار النفط والتطورات السياسية الاقليمية والدولية.
ونتيجة لما سبق، هدد النائب د. وليد الطبطبائي وزير المالية أنس الصالح بصعوده منصة الاستجواب لبيان أسباب خسارة الصندوق السيادي الكويتي ما قيمته 68 مليار دولار أمريكي خلال عشرة أشهر، مستندا بذلك على جداول رقمية لترتيب الصناديق العالمية نشرت في بعض الصحف.
بتتبع مصادر الأرقام التي نشرها الطبطبائي – نقلا عن الصحف – يتبين أن مصدرها مؤسسة SWF Institute الأمريكية المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، وبالنظر الى البيانات المنشورة في موقع المؤسسة الإلكتروني، يتضح أن {tweetme mode=link}أرقام الصندوق السيادي الكويتي خلال الثلاث سنوات السابقة حققت نموا تصاعديا وليس كما ذكر انخفاضا وتراجعا[/inlinetweet].
أخطاء في النقل
اللافت أن أخبار تصنيف أكبر الصناديق السيادية في العالم تتناقله الصحف المحلية عن موقع “أرقام دوت كوم” المتخصص في الأخبار الاقتصادية، والذي بدوره يقوم بالاستناد على الأرقام المنشورة من مؤسسة SWF Institute. ولكن المفارقة أن “أرقام دوت كوم” حين نشر جدول التصنيف بنهاية الربع الثاني من عام 2015 ذكر أن قيمة الصندوق السيادي الكويتي 548 مليار دولار أمريكي، بينما ذكر موقع المؤسسة أن القيمة 473 مليار دولار!
وهذا الخطأ – في الحساب أو النقل – تكرر في تصنيف موقع “أرقام دوت كوم” عن الربع الثاني من عام 2016، إذ ذكر الموقع، نقلا عن مؤسسة SWF أن قيمة الصندوق الكويتي 592 مليار دولار، ولكن الموقع الرسمي للمؤسسة ذكر أن القيمة 511 مليار دولار.
أما بشأن تصنيف الصناديق بنهاية الربع الثاني من عام 2017، فجاءت بيانات “أرقام دوت كوم” متطابقة مع موقع مؤسسة SWF Institute، إذ بلغت أصول الصندوق الكويتي 524 مليار دولار، ولكنه اعتبر أن أصول الصندوق الكويتي تراجعت بقيمة 68 مليار دولار، بينما موقع المؤسسة اعتبرته نموا في الصندوق، علما أن جميع البيانات التي يبني عليها “أرقام دوت كوم” إحصاءاته صادرة من المؤسسة الأمريكية.
افصاح نادر
الإفصاح الوحيد، والنادر من نوعه لقيمة أصول الصندوق الكويتي، جاء في بيان نفي للهيئة العامة للاستثمار حول ما تم تداوله من خسائر بلغت ستة مليار دولار أمريكي في استثمارات الصندوق، إذ قالت الهيئة في بيان نقلته وكالة الأنباء الكويتية أن خسائرها بلغت مليار دولار خلال العام المالي المنتهي في مارس 2016، وهو ما يشكل 0.2 بالمئة من إجمالي أصولها مما يعني أن إجمالي الأصول يبلغ 515 مليار دولار.
وهذا الرقم قريب جدا مما ذكرته مؤسسة SWF Institute، إذ ذكرت بياناتها أن قيمة الصندوق السيادي الكويتي في يوليو 2016 تبلغ حوالي 511 مليار دولار.
رغم أن النواب على علم بقيمة أصول الصندوق السيادي الكويتي، ورغم أنهم يملكون أدوات الاستفسار الدستورية للحصول عليها، إلا أن مثل {tweetme mode=link}تلك القضايا عادة ما تكون مثيرة سياسيا وتحقق مكاسب انتخابية[/inlinetweet]، فالمواجهة مع وزير المالية في ملفات متعلقة بهيئة الاستثمار جاذبة بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ويدرك النواب أن لا وزير المالية ولا هيئة الاستثمار يرغبان بالإعلان الرسمي عن أصول الصندوق السيادي وفق سياستهم الاقتصادية أو توجه الدولة، مما يجعل المعركة مفتوحة حتى لو صدر نفي رسمي كما حدث في أكثر من مناسبة حول ذات الموضوع.
تضارب الأرقام، أو النقل الخاطئ – بافتراض حسن النية – وانتشاره بالصورة التي ذكرت سابقا، يسبب صداع مزمن لوزير مالية الكويت ويضعه في مواجهة سياسية مستمرة مع أعضاء مجلس الأمة، ولن يعفيه من ذلك الجلسة السرية لعرض الحالة المالية للدولة، وعلم النواب سلفا بالأرقام الحقيقية، و{tweetme mode=link}لا يوجد علاج سوى الانتقال من مرحلة الغموض الى الشفافية[/inlinetweet] – أسوة بالصندوق النرويجي – أو تحمل عواقب التصعيد والمساءلة السياسية.
نسخة PDF: 68 مليار دولار أمريكي من الصندوق السيادي الكويتي: خسائر محققة أم معلومات مغلوطة؟