دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون برلمانية > الوجه الآخر للحوار الوطني: مرحلة جديدة من الصدام والتصعيد السياسي
الرئيس الغانم متوسطا النواب المؤيدين لبيان مناشدة الأمير باصدار عفو كريم

الوجه الآخر للحوار الوطني: مرحلة جديدة من الصدام والتصعيد السياسي

الرهان على نجاح الحوار الوطني لتحقيق الاستقرار السياسي وإعادة ترتيب العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية باتجاه التهدئة والتعاون، رهان يناقض طبيعة السياسة الكويتية المتقلبة، ويعاكس غريزة النواب التي لا تستطيع البقاء دون افتعال أزمات لجني صفقات، ولا يتوافق مع حقيقة ضعف الحكومة سياسيا وفنيا، والفاقدة للثقة الشعبية.

تلك المعطيات تؤكد أن الحوار الوطني له وجه آخر مغاير لما يتم التسويق له من استقرار وتعاون ، فنهايته قد لا تعني بداية جديدة وصفحة بيضاء تجمع السلطتين، بل مرحلة أخرى من التصعيد والمواجهة، ومقدمة لعودة أجواء الصدام والتأزيم بين الحكومة والمجلس التشريعي، فكيف ذلك؟

الزاوية الأخرى

قد تكون الصورة الظاهرة على الساحة السياسية أن الفريق المعارض لرئيسي مجلس الأمة مرزوق الغانم ومجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد خسر أهم معاركه بنهاية الحوار الوطني وإعلان الديوان الأميري استخدام سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد حقه الدستوري في إصدار مراسيم العفو الخاص، علاوة على الانقسام الحاد في مجموعة الـ ٣١ نائباً وتفككها والتراشق الإعلامي الشرس بين أعضائها، بيد أن رؤية الأحداث من زاوية أخرى تشير إلى أن صدور العفو عن مجموعة تركيا – المدانة بالقضية المعروفة إعلاميا بدخول المجلس – ستفتح لنواب أمثال محمد المطير وشعيب المويزري وثامر السويط وخالد المونس ومبارك الحجرف بابا جديدا لمواصلة التصعيد ضد الرئيسين.

فالمجموعة التي يطلق عليها كتلة الـ ٩ ترى في حملتها ضد الرئيسين لإبعادهما عن رئاسة المؤسسة التشريعية ورئاسة الحكومة مسارا سياسيا لا تراجع عنه، وصدور العفو عن “مجموعة تركيا” يعطيها ضوءا أخضرا لرفع سقف المعارضة بعيدا عن الاتهامات السابقة لهم بتخريب مساعي العفو ، يساهم في ذلك دخول لاعب جديد معهم على أرض الميدان وهو النائب السابق د. فيصل المسلم بجانب آخرون أمثال د. بدر الداهوم ود. عبداللطيف العميري ومحمد هايف ود. عادل الدمخي، ولا شك أن مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد سلاحا أساسيا في هذه المعركة.

ترقب الشارع

في موازاة ذلك، يشعر نواب من بينهم د. حسن جوهر ومهلهل المضف ود. عبدالكريم الكندري وعبدالله المضف ومهند الساير ود. حمد روح الدين بالقلق من آثار المشاركة في المفاوضات الأخيرة أو دعمها بشكل أو بآخر، والتشكيك الذي طالهم سياسيا وإعلاميا، فترقب الشارع لمواقفهم المقبلة – بعد جلوسهم على طاولة واحدة مع الغانم والخالد – يضعهم في مرحلة إعادة تقييم لتصنيفهم السياسي، ولا شك أن نزع صفة المعارضة عنهم واستبدالها بـ “الحكوميين الجدد” أو “الأعضاء الجدد” في كتلة رئيس مجلس الأمة أسوأ مخاوفهم .

ويدرك هؤلاء النواب أن كتلة الـ ٩ ستنصب لهم فخا سياسيا في أول استجواب يقدم لرئيس مجلس الوزراء، فهم أيدوا طلب عدم التعاون مع الشيخ صباح الخالد في استجوابه الأول، وقدموا استجوابا له لا يزال قائما على جدول أعمال مجلس الأمة، علاوة على سلسلة بيانات وتصريحات تدعو إلى رحيل الرئيسين، بالتالي فإن أي موقف معاكس لمواقفهم السابقة سيضعهم في خانة نواب الحكومة ويؤكد الاتهامات بصفقة تحصين الرئيس مقابل العفو. ولعل في الحملة الشرسة التي تعرض لها النائب د. عبيد الوسمي بسبب تبدل مواقفه مؤخرا، عبرة لن تغيب عن النواب وهم يقيمون خياراتهم في التعامل مع الحكومة بوجه عام والاستجوابات بوجه خاص.

وبخلاف دعم النائب السابق د. المسلم لكتلة الـ ٩، فإنه من المستبعد أن يضحي النائبان السابقان مسلم البراك وجمعان الحربش بتاريخهما السياسي لتوفير حماية شعبية وغطاء سياسي للنواب يتناقض مع “حدة مواقفهم” من الرئيسين، فهم أيضا ستكون مواقفهم تحت مجهرة الرقابة الشعبية، ومؤشر ذلك بياناتهم الأخيرة التي حاولت ان توازن بين رغبتهم بالعفو الخاص والعودة إلى البلاد وتأكيدهم على المحافظة على الأدوات الدستورية.

ضعف الحكومة

هذا على صعيد الجانب النيابي، أما الجانب الحكومي، فلم يعد سرا أن رئاسة مجلس الوزراء غير قادرة على اتخاذ قرارات دون عرضها على القيادة السياسية وأخذ موافقات مسبقة عليها، ولم يعد سرا كذلك أن الوزراء لم تعد مرجعيتهم السياسية والتنفيذية متمثلة برئيس مجلس الوزراء ، وهذه الحالة لن تضعف الحكومة ورئيسها فقط، بل أيضا تضعف موقف النواب الموقعين على بيان المناشدة، وسيدفعهم هذا الواقع الى القفز من مركب التعاون الى التصعيد والتحلل من تعهداتهم بتحقيق الاستقرار السياسي خوفا من غضب الشارع.

كما أن الملف الاقتصادي وإصلاحاته – الدين العام والضريبة على الدخل والانتقائية وتعديل هيكل جدول الرواتب.. الخ – استبعد من مباحثات الحوار الوطني ليقين الأطراف المشاركة أنه مثار جدل شديد وخلاف حاد، ولكنه يبقى ملفا ذو أولوية حكومية سيضعها بين سندان انهيار اقتصاد الدولة وجفاف ماليتها، ومطرقة استجواب رئيسها، فإن أقدمت الحكومة خطوة واحدة نحو الدفع بهذا الملف نحو الواجهة مجددا، فإنها ستخسر حتى حلفائها من نواب كتلة الـ ١٧.

ويضاف على الملف الاقتصادي ملف آخر لا يقل أهمية، ويضع في طريق الاستقرار السياسي المنشود ألغاما، وهو ملف تعديلات عدد من القوانين منها حرمان المسيء والنظام الانتخابي ولائحة مجلس الأمة وغيرها، فكل تلك القوانين ستسبب تصدعا داخل جبهة النواب الـ ٤٠ الموقعين على بيان المناشدة ، ويفجر خلافات مع الحكومة من شأنها خلق أجواء تصعيد مشابهة لتلك التي حدثت في شهر يناير الماضي وانتهت بإعلان أكثر من ٣٥ نائبا تأييدهم لعدم التعاون مع رئيس الحكومة.

فواتير نيابية

كما أن أمام الحكومة فواتير ضخمة تنتظر سدادها لعدد من نواب الـ ٤٠، فجزء منهم لا تعنيه مراسيم العفو الخاص أو إقرار تشريعات لإصلاحات سياسية أو اقتصادية، فليست تلك ثمن توقيعهم على البيان، بل ستكون التعيينات والترقيات والمناصب والعلاج في الخارج والمناقصات وغيره من الممارسات ذات الطابع الانتخابي والمصلحي الخاص هي الفواتير الحقيقة التي سيضعونها على طاولة الحكومة، والتأخر عن سدادها أو رفضها سيكون ثمنه باهظا.

ما انتهى له وعليه الحوار الوطني في صورته الظاهرة نجاح في تقريب وجهات النظر بين الحكومة ومجلس الأمة، ولكن واقعيا ومن زاوية أخرى قد يكون جمرة تزداد حرارتها مع الوقت لن يصمد كثير من النواب أمام لهيبها ، فأجواء الاستقرار لا تحقق انتصارا للنواب، ولن تعرف الحكومة كيفية الاستفادة منه.

نسخة PDF: الوجه الآخر للحوار الوطني: مرحلة جديدة من الصدام والتصعيد السياسي