دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون برلمانية > الكويت .. تحت احتلال الفساد وانهيار الإدارة العامة

الكويت .. تحت احتلال الفساد وانهيار الإدارة العامة

شهدت الكويت خلال السنوات الماضية تراجعا واسعا للقيم الأخلاقية صاحبها انهيار تام في الإدارة العامة بشتى قطاعاتها، وسوء اختيار أعضاء السلطات وقياديها، وهو ما خلق بيئة مكنت الفساد من احتلال مراكز صنع القرار والتنفيذ والتشريع والرقابة، وتحول الى الأساس الذي تقوم عليها معظم المؤسسات والإدارات والأجهزة الحكومية، ولم تعد الدولة قادرة على الاستمرار دون محركاته وأدواته.

جذور الفساد

كشفت الأحداث التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية خارطة مخيفة لجذور الفساد في الكويت، مست شيوخ في الأسرة الحاكمة، ومنصب رئاسة الوزراء ووزارات سيادية مثل الدفاع والداخلية، وطالت وزراء وقياديين وموظفين بمختلف الدرجات، واجتاحت مكاتب أعضاء مجلس الأمة، السلطة الرقابية على الحكومة وممثلي الشعب.

وأصبح تواجد القطاع الخاص، على خارطة الفساد، أكثر حضورا وأشد تأثيرا، وحاضن رئيسي اخترق السلطتين التشريعية والتنفيذية. وعلاوة على كل ما سبق فإن الشعور العام لدى المجتمع – وهو نتيجة حتمية لما سبق – بفقد الحقوق وسيطرة الانتقائية على القرار وغياب العدالة، دفعه نحو هاوية اللجوء لوسائل غير قانونية لتحقيق مكاسب غير مستحقة أو استرداد حقوق مسلوبة، ليصبح بذلك حلقة من سلسلة الفساد.

ومؤخرا، تمكن الفساد في الكويت من ضرب المؤسسة المعنية بتحقيق العدالة، السلطة القضائية، ووزارة العدل وإدارات أخرى مساندة لمرفق القضاء، ليكتمل بذلك مشهد خروج المؤسسات العامة من سيطرة الدولة الى قوى الفساد، بشقيه المؤسسي والفردي.

أجراس الخطر

يقول مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون «ان الترف والفساد هما السبب الأول والأبرز في سقوط الدول»، وهذه الصورة القاتمة التي تبدو عليها الكويت اليوم، فقد تجاوزت مرحلة القدرة على مكافحة الفساد الى التعايش معه، والقبول به واقعا يُسير مؤسسات الدولة وغالبية الأفراد، وهو الثمن الذي دفعته الدولة وستدفعه الأجيال القادمة بعد تجاهل كل التحذيرات من خطورة تفشي الفساد بين أجهزة الدولة ومجتمعه، فلم تُسمع أجراس الخطر، وأبحرت مراكب الجميع نحو حماية مصالحهم تاركين الدولة تواجه منفردة مصير الغرق .. حتى غرقت .

المحاولات الحالية – أغلبها فردية – للإصلاح بعد تآكل مؤسسات الدولة وسقوطها لا تخرج عن نطاق الترميم الشكلي لكيان مدمر تماما ، فلا تشريعات جديدة ذات جدوى، ولا هيئات رقابية ذات نفع، ولم تنجح كل التغيرات الحكومية أو النيابية في إحداث ثورة ضد الفساد، وحتى على مستوى تغيير القيادات الحكومية لم تشهد الدولة أي تغيير ملموس.

السبب والعلاج

من كان السبب حاليا لن يكون العلاج مستقبلا، فلن تتوقف الواسطات، وخرق القوانين منهج لن يتغير ، ولن تنتهي الرشاوى بكافة أشكالها وصورها داخل مؤسسات الدولة، وتعارض المصالح سيبقى سائدا عند من يملك سلطة القرار – أيا كان حجمه – أو المعني بالرقابة والتشريع، ولن تكون الكفاءة معيارا لاختيار القيادات الحكومية أو نواب مجلس الأمة، ولن يحاسب المقصر في عمله لتصحيح الاعوجاج.

ولن تغلق خزانة المال العام أمام الفواتير السياسية أو الانتخابية، وجميع المبادرات والخطط والاستراتيجيات ستبقى حبرا على ورق. فكل ما سبق يشكل الرئة التي يتنفس بها الشيخ، الوزير، النائب، القيادي، الموظف، التاجر والمواطن لاستمرار بقائهم، فدولة القانون تحولت من هدف يتطلب تحقيقه والوصل له الى عدو يستوجب محاربته.

الخطوة الأولى

لا شك أن الوضع العام في الكويت سيئ جدا، وتقييم حالة الفساد – رغم كل المؤشرات المحلية والدولية – بعيدة عن الواقع ، وينظر له بصورة أحادية مستقلة وليس شمولية مترابطة، فكل الأحداث إذا ما وضعت في إطار واحد، فإن الصورة ستكشف الحقيقة التي وصلتها الدولة.

لا يمكن التعويل على التصريحات والبيانات الإعلامية وبعض القرارات الشكلية في مكافحة الفساد، فأي محاولة لإعادة الحياة الى الدولة تتطلب تأسيس جيل جديد لا يورث كل ما سبق من سلوك سيء وقيم فاسدة ، فهذه الخطوة الجادة الأولى لمكافحة الفساد، ومسؤولية من بيده القرار في الحكم والحكومة والبرلمان والقضاء.

نسخة PDF: الكويت .. تحت احتلال الفساد