الإدارة العامة
في رده على سؤال نيابي، يذكر وزير المالية بأن 21% من مرافق شركة “المشروعات السياحية” غير مستغلة أو حولها نزاعات قضائية، ويضيف بأن معظم مرافق الشركة تعاني من القدم والتهالك بما يتطلب إعادة النظر في النموذج التجاري والتشغيلي لها.
ومنذ نوفمبر 2012، تناوب على إدارة شركة “الخطوط الجوية الكويتية” 5 مجالس إدارات خلال 8 سنوات ونيف، أي بمعدل أقل من سنتين لكل مجلس إدارة، وخلال تلك الفترة هددت مطارات أوروبية بوقف هبوط طائرات الشركة فيها، وهددت شركات تأمين بوقف بوليصات تأمينها، وإشترطت الولايات المتحدة الأمريكية هبوط طائراتها في إيرلندا لإعادة تفتيشها قبل مواصلة رحلتها إلى أمريكا.
وفي شئون إدارة جائحة “كورونا”، ورغم الفريق الخلوق والمنظم القائم مباشرة على عمليات التطعيم والمعالج لإصاباتها، فشلت الكويت الصغيرة في بلوغ مستويات التطعيم لديها مستوى مُرض وكان بحدود 11.5% من إجمالي السكان في منتصف الأسبوع الفائت. تلك النسبة في الإمارات بلغت 75% وللبحرين 40%، ولقطر 22%، ولذلك التخلف تكاليف مالية واقتصادية لا يفترض دفعها لو تمت إدارة مشروع التطعيم بكفاءة.
ما سبق مجرد أمثلة صغيرة وقليلة، وبعيداً عن الأزمات المزمنة مثل التعليم والنفط والفساد، وحتى الشأن السياسي، تلك تمثل نماذج على قدرات الفريق الحكومي، وهو الفريق المناط به هذه المرة العبور الآمن ببلد لم يتعد إنجاز إدارته العامة على مدى نصف قرن من الزمن، سوى توزيع أصل النفط بعد تحويله إلى نقد.
الآن، لم يعد هناك خلاف على أن عصر النفط إلى أفول، وأن البلد سيلحق مصير شركة “المشروعات السياحية” وشركة “الخطوط الجوية الكويتية” إن إستمر نهج الإدارة العامة على حاله، ومن المستحيل أن تطلب من فريق لا يعرف سوى ذلك النهج، وإستمراره مرتبط بإستمرار نفس النهج، أن يحقق إصلاحاً مالياً وإقتصادياً جراحياً.
الأمر ليس فيه خصومة سياسية أو شخصية، متطلبات الإصلاح باتت مصيرية، ولازالت ممكنة، ولكن، ليس من قبل إدارة تعجز عن فهم متطلبات إصلاح شركة.
تكلفة الإصلاح الجذري باتت أعلى، وفرص نجاحه باتت أقل، ولكنه لازال ممكناً، والبداية، لابد وأن تكون بإطفاء حريق المالية العامة، ولن يتحقق ذلك من دون برنامج مالي يضمن خفضاً لمستوى النفقات العامة ويضمن عدم المساس المباشر أو غير المباشر بحجم إحتياطي الأجيال القادمة.
لقد بلغ الوضع المالي في البلد مستوى مزر، إلى الدرجة التي بات يردد فيها الإعلام تقرير لبنك “أوف أمريكا” الأسبوع الفائت، يطمئننا بأن الكويت لن تشكو من شح السيولة حتى الربع الثالث من العام الجاري، وحتى ذلك، ليس بسبب جهد ولو متواضع قامت به الإدارة العامة، وإنما بسبب ارتفاع مؤقت لأسعار النفط.
الوضع الحالي في البلد في غاية الخطورة، فالحكومة على إستعداد للتضحية بكل شيء من أجل ضمان إستمرارها، بينما المطلوب في مثل هذه الظروف هو حكومة تضحي بكل شيء شاملاً إستمرارها من أجل ضمان إستقرار وإستمرار البلد.
وعندما تفطن متأخرة، بأن نموذج أعمالها لا يعمل، وحال البلد بات مثل حال شركة “المشروعات السياحية” أو شركة ” الخطوط الجوية الكويتية”، يكون زمن الإصلاح قد فات، والعاقبة سوف يتحملها 99% من مواطني هذا البلد الطيب.
مشروع قانون دعم وضمان تمويل البنوك المحلية
تنوي الحكومة تقديم مشروع قانون تحت مسمى دعم وضمان تمويل البنوك المحلية للعملاء المتضررين من تداعيات أزمة فيروس “كورونا”، ومشروع القانون من (21) مادة وهدفه الحد من التداعيات المالية والاقتصادية المحتملة جراء أزمة “كوفيد-19”. والدعم والضمان المقصود ليس دعماً مباشراً، وإنما جملة من المتطلبات التي تقوم بها البنوك الدائنة للمشروعات القائمة بتصنيفاتها المختلفة، ويقتصر دور الحكومة فيها على وظيفتين، الأولى، هي حماية الشركات المليئة من الإفلاس بما يعنيه من وقف إنتقال الأزمة إلى القطاع المصرفي، والثانية، هي تعويض جزئي ومؤجل لفاقد الفائدة، أو التعثر النهائي.
بشكل عام، يبدو المشروع معد بشكل مهني، غرضه خفض التكلفة على المالية العامة إلى حدودها الدنيا، وأدنى من أي مشروع مماثل على مستوى العالم والجوار، وخفض التداعيات الاقتصادية للجائحة بحماية القطاع المصرفي الذي تضمن الحكومة ودائعه منذ 13 عاماً. يعيبه، تعريفات مادته الأولى للمشروعات، وهي تعريفات كمية وليست نوعية، فالتعريف من أجل تصنيف حجم المشروعات يشمل حجم العمالة من دون تمييزها فيما إذا كانت عمالة مواطنة، والتعريف يشمل العائد كرقم من دون تمييز لأهمية السلعة أو الخدمة التي يقدمها.
من ميزات القانون، أنه ينص على دعم المشروع المليء كما في نهاية عام 2019، أي أن البنك أو الدولة لن يخسرا أموالاً لإنقاذ ما لا يمكن إنقاذه، ومشاكله سابقة لتداعيات الجائحة. ومنح التمويل للعميل المتضرر يتم بعد دراسة البنك لإحتياجاته ومخاطره، أي يتحقق بقرار محترف وليس قرار سياسي، وإستخدام تلك الأموال ينحصر في الإحتياجات التي منح من أجلها فقط وبالتعاون مع كل البنوك المُقرضة.
وتكلفة التمويل محددة وموحدة ولا تتعدى 1% فوق سعر الخصم، وحدود التكلفة على الخزانة العامة هي تكلفة التمويل للسنة الأولى، ثم تتمايز حتى السنة الرابعة بإنحياز أكبر للمشروعات الصغيرة والمتوسطـة. وفـي حـال تعثـر عميـل بعـد ذلك، تضمن الخزينة العامة 80% من أصل الدين، والغرض من القانون هو إستباق تعثر العملاء وإنتقال الأزمة إلى القطاع المصرفي بما يخفض التكلفة المحتملة على الخزينة العامة إلى حدودها الدنيا.
وبشكل عام، وخلاف لسيل المشروعات والمقترحات الشعبوية، وضمنها 11 مشروع ومعظمها شعبوي كارثي “للجنة الشئون المالية والاقتصادية” بمجلس الأمة رهاناً من أجل إنتخابات قادمة، يبدو أنه مشروع معد بشكل محترف، خطواته محددة، وأهدافه واضحة، ولاشك أن هناك أضرار غير محسوبة تسبب بها فترات الحظر الجزئي الأخيرة، ولا بأس من قيام فريق محترف غير سياسي بدراسة تلك الحالات الإستثنائية.
تلك هي دعوة لتحييد السياسيين عن تقديم مشروعاتهم الشعبوية وإحتمال إستجابة الحكومة لها، والبديل هو الركون إلى فرق مختصة محترفة لتوليها، لأن الوطن بات في خطر حقيقي، والأمثلة البائسة كثيرة حولنا.
