دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون برلمانية > من يقرع جرس مخاطبة القضاء قبل فوات الأوان
من يقرع جرس مخاطبة القضاء قبل فوات الأوان

من يقرع جرس مخاطبة القضاء قبل فوات الأوان

لم تعد أسوار السلطة القضائية في الكويت بعيدة عن سهام الانتقاد السياسي والشعبي، فما يقال في الغرف المغلقة والتجمعات الخاصة بدأ يُسمع صداه شيئا فشيئا خارج تلك الحدود الضيقة، ولم يعد مستغربا تجاوز الانتقادات مستوى الأحكام الى شخوص بعض القضاة، لا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي.

الرقابة الشعبية

فقضايا الاعتداء على الأموال العامة والفساد والتجاوزات وضعت السلطة القضائية تحت مجهر الرقابة الشعبية، ولا شك أن تسليط الأضواء الإعلامية – المؤسسية من صحف أو الفردية في مواقع التواصل الاجتماعي – على تحقيقات النيابة العامة وجلسات المحاكمات؛ وضعتها كذلك بين سندان الحكم المجرد من الاعتبارات السياسية والضغوط الإعلامية، ومطرقة تطلعات الشارع بصدور أحكام بالحبس ضد قياديين في الحكومة أو متنفذين واسترداد ما تم هدره أو الاستيلاء عليه من المال العام.

[inlinetweet]رقابة المجتمع على قضايا الفساد والمتابعة المستمرة شكلت ضغطا على السلطة القضائية بلغ حد المساس بها تلميحا وتصريحا[/inlinetweet]، فلم تعد أحكام البراءة أو وقف النفاذ مقبولة مهما كانت أدلتها أو ضعفت حجة الإدانة، وانتقل الرفض الى قرارات الخروج من جهات التحقيق بكفالة مالية، بل أن الشارع أخذ منحى جديد في تقييم مبلغ الكفالة.

الغضب الشعبي على واقع الدولة ومؤسساتها أقوى وأكبر من استيعاب الحقائق والوقائع القانونية، ولم تعد مساحة انتقاد السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد أن فقد الشعب الثقة بهما، كافية لاحتواء الغضب والتنفيس عن الاحتقان الشعبي الذي ترسخ في أعماق قناعاته سيطرة مؤسسة الفساد على مفاصل الدولة.

السندان والمطرقة

وما بين السندان والمطرقة، [inlinetweet]تولدت شرارات الشك في السلطة القضائية مدفوعة بهزات عنيفة تعرضت لها على مدى السنوات الماضية[/inlinetweet]، لعل أخطرها التسجيلات التي تبناها الشيخ أحمد الفهد عن تلقي بعض كبار القضاة رشاوي مالية تبين أنها غير صحيحة واعتذر عنها، أما أهمها فهو الحكم القضائي فيما عرف بقضية الناقلات الذي صدر دون تاريخ وتوقيع مما أبطله وأنقذ وزير المالية الأسبق الشيخ علي الخليفة من عقوبة السجن، وأغربها حفظ قضايا الايداعات المليونية لبعض النواب بسبب “نقص التشريعات”.

لكن هل تتحمل السلطة القضائية المسؤولية؟ لا شك أن القضاء شريك في إدارة الدولة بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، والدور الدستوري المناط به أعلى مرتبة من الحكومة والبرلمان، فبحسب المادة ١٦٢ من الدستور فإن ” شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات”، فهو الرقيب على مجلس الأمة وما يصدر منه عبر المحكمة الدستورية، وهو المراقب على تطبيق الحكومة للقوانين واللوائح، وأخيرا هو بوابة الأمان للمواطنين والحافظ لحقوقهم، لذا فإن المسؤولية على القضاء جسيمة ولا تقل عن دور السلطتين.

و[inlinetweet]الحديث عن المسؤولية القضائية تجاه الدولة والمجتمع يفتح بابا مزعجا للقضاء، ولا تود سلطته طرحه للتداول والنقاش[/inlinetweet] العام وهو المسؤولية الرقابية الداخلية في الجسد القضائي، ويعتبر التطرق لها تجاوزا للخطوط الحمراء التي صنعتها الأعراف أكثر من القوانين، وهي مساحة غامضة لا يعرف عنها الكثير.

الرقابة الداخلية

في المجلس الأعلى للقضاء هناك جهاز تفتيش قضائي مهمته تقييم كفاءة القضاة ووكلاء النيابة، وإضافة على ذلك مجلس تأديب القضاة، وتعتبر الجهتين من الأدوات الرقابية التي نص عليها قانون القضاء في أحكام القضاة وأعمال وكلاء النيابة وسلوكهم الوظيفي، ولكن هل هذه الأدوات مفعلة بشكل صحيح وفاعل؟ لا يعرف ذلك، إذ أن القرارات سرية ولا تعلن، و[inlinetweet]لا توجد إحصائية رسمية عن عدد القضاة ووكلاء النيابة الذين تم عزلهم [/inlinetweet]أو إحالتهم من الوظائف القضائية الى الإدارية نتيجة عقوبات وقعت عليهم.

الغموض الرقابي داخل السلطة القضائية مع أحكام البراءة في قضايا الفساد خلق علاقة طردية مع الشكوك الشعبية، [inlinetweet]فكلما زاد الغموض والأحكام المثيرة زادت الشكوك أكثر[/inlinetweet]، ولعل القضاء يدرك جيدا هذه المعادلة ويشعر بها إلا أنه لا يزال متسمك بالمدرسة الكلاسيكية القديمة التي تريد فرض هالة القدسية على سلطاته وقضاته، وهو ما دفع الى تقديم قانون مخاصمة القضاء ونال تأييدا نيابيا وشعبيا واسعا، إلا أن القضاء رفضه برمته، وتمسك بأدواته الرقابية المنصوص عليها في قانونه. [inlinetweet]رد سمو الأمير قانون مخاصمة القضاء لأسباب دستورية وليست موضوعية، وتنفس القضاء الصعداء[/inlinetweet].

ومن الملفات التي يتوقف عندها المواطنون كثيرا، وتثار حولها العديد من علامات الاستفهام، ملف بطء سير العدالة، فكثير من المحاكمات تأخذ عشرات السنين حتى تصدر بها أحكام باته لاسيما المتعلقة بقضايا الفساد والأموال العامة، ونادرا ما تكون هناك مبررات لأسباب التأخير. [inlinetweet]في الفقه الإنجليزي هناك مبدأ ينص على “تعطيل العدالة هو نكران للعدالة”.[/inlinetweet]

البلاغات الشكلية

على الجانب الاخر، [inlinetweet]يرى القضاء أن السلطة التنفيذية بكافة أجهزتها لا تتعامل مع قضايا الفساد بجدية تعكس توجها لمحاربته[/inlinetweet]، بل أن الحكومة تقدم البلاغات مشوهة وناقصة تحت الضغط الإعلامي والشعبوي وأحيانا النيابي، ولا تقوم أجهزة التحريات الأمنية بالدور المناط بها في استكمال الأدلة ولتعزيز البلاغات.

لقد [inlinetweet]توسعت الحكومة مؤخرا في فكرة تقديم البلاغات الشكلية[/inlinetweet]، المباشرة منها الى النيابة العامة أو الى هيئة مكافحة الفساد، أي أن السلطة التنفيذية سعت الى رمي الكرة خارج ملاعبها مهما كانت النتائج لإبراء ذمتها، فكانت العواقب وخيمة على السلطة القضائية وانعكست على صدور أحكام البراءة في قضايا الاعتداء على المال العام.

فها هي النيابة العامة ترد قضايا النصب العقاري بعد ساعات من تقديمها من قبل وزارة التجارة، بسبب نقص البيانات وعدم وجود ما يكفي من دلائل على وجود جرائم، ونوهت إلى أن الشكاوى المحولة في شكلها الحالي لا يشير إلى وجود جرائم، ومثل هذه الحالة حالات عديدة تزخر بها أروقة القضاء.

الفوضى التشريعية

و[inlinetweet]يشكو القضاء كذلك من كثرة التشريعات المتضاربة والمتداخلة، والقوانين المليئة بالأخطاء الفنية واللغوية[/inlinetweet] مما يصعب معه تطبيق أحكامها والعقوبات الواردة فيها، ويرى أن الفوضى التشريعية في هيكل القوانين الكويتية تتحمل مسؤوليتها السلطتان التشريعية والتنفيذية اللتان انتهجتا مسارا غير مقبول في سن القوانين كرد فعل على أحداث أو تفاهمات سياسية أربكت القضاء وأجهزته، وساهمت في خلق ثغرات قانونية ينفذ منها المتهمون بقضايا الفساد.

لقد وجهت السلطة القضائية، عبر العديد من أحكام البراءة أو الإدانة، رسائل الى الحكومة والبرلمان والمجتمع، منها رسائل دستورية وسياسية وأخرى مجتمعية تدعو السلطتين لاحترام القوانين، وإصلاح مفاصل الدولة وتفعيل تقارير الجهات الرقابية، وهي الوسيلة الوحيدة التي يخاطب فيها القضاء السلطات الأخرى والمجتمع، ولكن [inlinetweet]يبقى السؤال من يقرع جرس مخاطبة القضاء صراحة ويوجه له الرسائل؟[/inlinetweet]

نسخة PDF: من يقرع جرس مخاطبة القضاء قبل فوات الأوان