دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون حكومية > “اسقاط القروض” .. اللجوء الى خزانة الدولة لترميم صورة السياسيين

“اسقاط القروض” .. اللجوء الى خزانة الدولة لترميم صورة السياسيين

تعالت الأصوات النيابية المطالبة بإقرار قانون لإسقاط القروض عن المواطنين، وقبلها كان قانون التقاعد المبكر والذي دخل في دهاليز التفاصيل بعد رده حكوميا وتقديم تعديلات عليه، ولا تقف الاقتراحات “الشعبوية ذات الكلفة المالية” نيابيا وشعبيا عند حدود هذين القانونين، فهناك العديد من الاقتراحات المماثلة كزيادة رواتب الموظفين أو رفع قيمة المساعدات الاجتماعية.

 يقول أغلب أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لمثل هذه الاقتراحات أنهم لن يقفوا ضد ما يصب في صالح المواطنين، ويرفع من رفاهيتهم المعيشية وتخفف من الأعباء المالية التي تكبدوها نتيجة فشل الحكومة في توفير الخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية وغيرها، علاوة على ذلك ارتفاع الأسعار وعجز الجهات الرقابية من السيطرة على الأسواق المحلية، أي أن فشل الحكومة من الأسباب الرئيسية التي تدفع بعض أعضاء مجلس الأمة أي تأييد مثل تلك الاقتراحات .

رشوة برلمانية

الأسباب التي يضعها النواب في مقدمة خطاباتهم المؤيدة للقوانين والاقتراحات ذات الكلفة المالية لا يمكن الأخذ بها بالصورة السياسية الإعلامية التي يقدمها الأعضاء الى الشارع دون بحث حقيقي عن دوافعها، فهل هي فعلا تنطلق من فهم احتياجات المواطنين أم أنها رشوه برلمانية للشعب لكبح جماح استياءه من الأداء النيابي؟ أو دليل عجز عن محاسبة الحكومة على أخطائها وفشلها في تنفيذ إصلاحات ووضع رؤية تطويرية من شأنها توفير العيش الكريم للمواطنين؟

مما لا شك أن النواب على دراية تامة أن أكثر مقترحات القوانين المطروحة تحمل في طياتها سلبيات أكثر من الإيجابيات ، وأثرها المستقبلي أخطر من إنجازها الحاضر، لا سيما وأنها تقر باستعجال سياسي بعيدا عن الدراسات ذات الصلة ودون الأخذ بآراء المختصين ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الكوادر والبدلات الوظيفية خلقت تمايزا كبيرا بين الوظائف الحكومية نتج عنه هجرة داخلية بين الوزارات والإدارات الحكومية بحثا عن الرواتب الأعلى، وعزوف كبير عن العمل في القطاع الخاص الذي ينتظر منه أن يكون مساهما في تخفيف ميزانية بند الرواتب الذي بلغ ١١ مليار دينار سنويا.

وحول مقترحات اسقاط القروض أو فوائدها، يذكر تقرير سابق لشركة الشال للاستشارات أن “اقتراحات إسقاط فوائد القروض الاستهلاكية والمقسطة عملية بيع لمستقبل البلد من أجل السلطة ، وضرائب سلبية على حساب الأجيال القادمة”، ويضيف “أي حديث عن اسقاط قروض أو فوائد قروض، هو دعوة لمزيد من الاقتراض، أو هو دعوة إلى نبذ الحصافة في إدارة ميزانية الأسرة أو المواطن”.

هذا عن الفوائد، أما عن الأصل فيقول الشال في تقرير آخر “التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لدعوات إسقاط القروض ستكون أعلى، كثيراً، من التكلفة المالية الفادحة، ولعل أهمها تلك المتعلقة بمنظومة القيم، فالتداعيات الناتجة عن دعوات كهذه سوف تكرس، أولاً، عملية الانقلاب في المفاهيم، إذ سيبدو الحصيف، الذي تدبر أمره من دون اقتراض، ومن اقترض من دون الحد الأقصى، ومن اقترض والتزم بالسداد أغبياء. وثانياً، التمييز، إذ سيبدو مبدأ العدالة، التي كفلها الدستور، حبراً على ورق، فمن لم يقترض ومن اقترض أقل من الحد الأقصى ومن اقترض وسدد، ومن اقترض أعلى قليلاً من الحد الأعلى ظُلموا، وثالثاً، الدعوة الى التوجه الجماعي للاقتراض، لاحقاً، وسقوط حرمة المواثيق والعقود والتحايل وعدم السداد وشراء الوقت من أجل التكسب، من خلال الضغط”.

خزانة الدولة

يجمع أغلب النواب – وكذلك المواطنين – أن المجلس الحالي لم يحقق طموح الشعب، فلا قوانين تذكر ولا رقابة مجدية ، لذا فهم لا يملكون ما يواجهون به الشارع انتخابيا، فإخفاقاتهم التشريعية والرقابية تجاوزت العجز الحكومي في الإدارة، وهو ما يدفعهم للجوء الى خزانة الدولة بحثا عن حلول خارجه عن المألوف، أو القبول بما هو غير معقول من مطالب ظاهرها الرحمة للمواطنين وباطنها الدمار للدولة، على أمل ترميم صورتهم أمام ناخبيهم.

وهو ما يفسر التسارع المحموم على تقديم مثل تلك المقترحات وتكرار تقديمها دون اعتبار للآثار المستقبلية، ففي عام ٢٠٠٧ كانت أولى المحاولات النيابية لإسقاط القروض عن المواطنين، أي منذ ١١ عاما، فهل قدمت السلطتان التشريعية والتنفيذية بدائل أكثر واقعية وحلول مستدامة منذ ذلك الحين الى اليوم؟ هل تطور القطاع الطبي الحكومي ليحقق الأمان الصحي للمواطنين؟ هل بات التعليم الحكومي جاذبا للأسر الكويتية؟ هل بنت السلطتان مناخا اقتصاديا يدفع المواطنين الى العمل الحر؟ الإجابة المباشرة هي لا .. وقياس ذلك يأتي من المؤشرات الدولية على أداء الدولة وخدماتها العامة.

تعثر الحكومة

وبالتوازي مع سلوك أعضاء مجلس الأمة، فإن تعثر الحكومة في أخذ زمام المبادرة في الإصلاحات، وملئ الفراغ الذي خلقه الأداء النيابي – في التشريع والرقابة – وكسب الشارع العام، دفع المواطنين أكثر نحو المطالبة بمثل تلك المقترحات، وهو ذنب تتحمله السلطة التنفيذية التي لم تستفد من الأخطاء السابقة، ولم تستوعب خطورة استمرار الشارع في قيادة الرأي العام وسط فشل السلطتين في تحقيق الحد الأدنى من المطالب الاعتيادية.

من غير المتوقع أن يرى مقترح “اسقاط القروض” النور في دور الانعقاد الحالي، فدورة التشريع طويلة تبدأ من تقديم المقترح الى إقراره في اللجنة التشريعية البرلمانية الى مناقشته في اللجنة المالية البرلمانية وصولا الى رفع تقريره الى مجلس الأمة لإقراره، مع الأخذ بعين الاعتبار حق الحكومة الدستوري لرده، أي أن المدة الاعتيادية قد تصل الى سنة مع إضافة فترة العطلة البرلمانية.

لذا فإن الأسابيع القادمة ستشهد تصعيد شعبي لإقرار المقترح – وهو أمر طبيعي -، وتأييد نيابي للمطالب مع علمهم بخطورة مثل تلك المقترحات أولا، وثانيا لصعوبة إقراره في دور الانعقاد الحالي، إلا أنهم – أي النواب – يسعون الى تثبيت موقف مبكر يخدمهم انتخابيا لا سيما وأن الفصل التشريعي الحالي شارف على نهاية عمره الدستوري بالتالي فلا ضرر من طرح القضية سياسيا وإعلاميا.

الحكومة من جانبها، يبدو أنها أقرب الى تكرار ذات الخطأ في الذي ارتكبته في آلية التعامل مع مقترحات “التقاعد المبكر”، فهي لا تتعامل مع المقترحات الشعبوية بجدية الا بعد أن تتحول الى ما يراه المواطنون الى مكتسبات واستحقاقات دستورية، ويستخدمها النواب كمكاسب سياسية وانتخابية، وتكبر موجة التأييد الى ما لا يمكن مواجهتها إلا بتقديم تنازلات وخسائر جسيمة. لقد حدث ذلك في عدة قوانين سابقة منها “التقاعد المبكر”، “من باع بيته”، “صندوق المعسرين”، “صندوق الأسرة”، “مكافأة المتقاعدين العسكريين”، “الكوادر والبدلات المالية” والأمثلة لا تحصى، بل أن نجاح إقرار تلك القوانين السابقة تشجع المواطنين والنواب على الاستمرار، الأمر الذي يزيد من منهجية الدولة الريعية.

أخطاء فادحة

اسقاط القروض أو فوائدها، ومعظم القوانين الشعبوية التي تهدف الى منح المواطنين أموالا، تمثل أخطاء فادحه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولكن الخطيئة الأكبر هو استمرار النهج النيابي في استخدام المال العام لدفع فواتير فشل الأداء البرلماني وتجميل صورتهم، وعجز الحكومة عن القيام بدورها كسلطة تنفيذية مسؤولة عن الإدارة العامة للدولة.

قد يكون المخرج الأفضل اليوم للسلطتين والمواطنين، إعادة النظر في قانون صندوق المعسرين الذي كان بديلا عن اسقاط القروض وفوائدها وأقر عام ٢٠١٠، وقياس مدى نجاحه وإمكانية زيادة شرائحه، أو أسباب فشله إن تحققت، بخلاف ذلك فإن سبحة المقترحات الشعبوية ذات الكلفة المالية ستنفرط وحينها لن يكون بمقدور السلطتين السيطرة على الشارع أو إقناعه بخطورة تلك التوجهات.

نسخة PDF: “اسقاط القروض” .. اللجوء الى خزانة الدولة لترميم صورة السياسيين