برزت على الساحة السياسية أزمة نيابية مع وزير التربية ووزير التعليم العالي د. حامد العازمي على خلفية القرار الوزاري الذي يشترط تجاوز الطالب لاختبار القدرات للغة الانكليزية “الآيلتز أو التوفل” قبل حصوله على بعثة دراسية خارجية لاستكمال دراسته.
وانقسم النواب الى فريقين، الأول معارضا للقرار والآخر داعما له، ولكل منهما مبرراته وأسبابه، الا ان كلاهما اتفقا على أن المسائلة السياسية خيارا قائما بقوة لمواجهة ما قد ينتهي اليه الوزير، فان أُلغي القرار أو ابقى عليه فإن صعود المنصة مصيرا لا مفر منه.
التصعيد النيابي
من المهم هنا الإشارة الى أن قرار شرط اختبار القدرات اللغة الانكليزية (الآيلتز والتوفل) للحصول على بعثة الدراسية ليس بالجديد على مستوى القطاع التعليمي ، وليست المرة الأولى التي يتسبب بها بتصعيد نيابي ضد وزراء التربية السابقين، فتحت ضغط نيابي عُطل تطبيق قرار مشابهة في يوليو ٢٠٠٥ الى نهاية يونيو ٢٠٠٦ بالاتفاق مع الوزارة، إلى أن أُلغي القرار تماما في عهد وزير التربية ووزير التعليم الأسبق، وزير المالية الحالي، د. نايف الحجرف في يونيو ٢٠١٣.
وفي اكتوبر ٢٠١٧ أعاد القرار الى الواجه وزير التربية ووزير التعليم السابق د. محمد الفارس، لكن القرار لم يتحول الى أزمة عاصفة إلا مع ظهور نتائج اختبارات الثانوية العامة ٢٠١٨ وفتح باب التسجيل للبعثات في الشهر الجاري .
شرط اختبار "الايلتس" للحصول على بعثة دراسية في الخارج خطوة في الاتجاه الصحيح، ويجب ان يصاحبها في الاتجاه ذاته تطوير مناهج اللغة الانكليزية في وزارة التربية ورفع كفاءة المعلمين.
وندعو "التربية" الى وضع اختبارات مشابهة للايلتس في السنوات الأخيرة من دراسة الطلبة وذلك لتدريبهم عليها
— راكان النصف (@rakanalnusif) June 17, 2018
مما سبق يتضح أن قرار اختبار كفاءة اللغة الانكليزية في السنوات السابقة، خضع تقييمه الى الاعتبارات السياسية والنيابية أكثر منها العلمية والعملية ومصلحة الطلبة، بما فيه الدور السلبي الذي لعبته اللجنة التعليمية البرلمانية في المجالس السابقة بالضغط لإلغاء تلك القرارات، والحالة القائمة اليوم ليست استثناء عن السوابق، ولكنها أكدت تهاون حكومي نيابي في معالجة خلل النظام التعليمي في الدولة من جذوره منذ ذلك الحين.
فقرار طبق في ٢٠٠٦، أي منذ ١٢ عاما، وألغي في ٢٠١٣ وأعيد تطبيقه في ٢٠١٧، يقابله تردي مستوى اللغة الانكليزية للطلبة والنظام التعليمي بشكل عام، يقود الى طرح أسئلة مشروعة .. أليست الدوافع التي فرضت على الوزارة هذه الاشتراطات اليوم هي ذاتها التي تحججت بها منذ سنوات؟ لماذا لم يكن هناك تحرك جدي لتطوير المناهج التدريسية في الدولة ورفع كفاءة المعلمين؟
أليست الأسباب التي على ضوئها رفض النواب سابقا شرط الاختبار، هي ذاتها التي يعاد طرحها اليوم؟ فما هي الإجراءات الرقابية والتشريعية التي اتخذت منذ ذلك الحين الى اليوم لإصلاح الهرم التعليمي في الدولة واجبار الحكومة على هذا المسار؟
كنت ولا زلت من أكبر الداعمين لوزير التربية في إصلاحاته خاصة في موضوع محاربة الغش ، لكن أختلف معه في تطبيق شرط الأيلتز حاليا لضعف المستوى الحكومي وعدم تهيئة طلبة الثانوية فهو يخدم خريجي المدارس الخاصة ، حاليا مع إبقاء فرصة دراسة اللغة لمدة سنة خارجيا مع دفع التعويض في حال الإخفاق
— د.عادل الدمخي (@DrAldamkhi) June 17, 2018
لماذا لم تأخذ الحكومات السابقة مسألة التعليم على محمل الجد؟ ولماذا انحرفت المجالس السابقة عن واجباتها الرقابية والتشريعية من أجل ما يمثل مصالح انتخابية؟ جميع مؤشرات قياس التعليم المحلية والعالمية وضعت الكويت في مراتب متأخرة ألم تقرع تلك الأرقام أجراس الإنذار؟
خطابات المكاتب الثقافية
بالعودة الى القرار الجديد في توقيته والقديمة في فكرته، فإن هناك قصور من وزارة التربية والتعليم العالي في بيان الأسباب التي دعتها لإحياء القرار، ولكن بعض المعلومات والمستندات التي توفرت كشفت الكثير من خفايا وضع المبتعثين للدراسة في الخارج، ومستوى أدائهم ونسب تعثرهم.
وبحسب المستندات، فقد أرسلت المكاتب الثقافية في الخارج الى وزارة التعليم العالي عددا من المخاطبات والتوصيات في هذا الشأن تحذر من تسرب الطلبة المبعوثين بسبب اللغة:
المكتب الثقافي – لوس أنجلس في ١٦ ديسمبر ٢٠١٦ حيث أوصى أن تشترط الوزارة حصول الطلبة على معدل لدرجة ”الآيلتز“ قبل الالتحاق ببعثات الوزارة في الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة فرصة حصولهم على القبول الاكاديمي بالتخصصات الموفدين لها.
المكتب الثقافي – باريس في ٦ مايو ٢٠١٦ حيث أثبت ضعف المستوى العلمي للطلبة الحاصلين على شهادة الايلتز بمعدلات متدنية.
المكتب الثقافي – دبلن في ٣٠ يناير ٢٠١٧ والمتضمن ملاحظات المكتب بأن يضاف لشروط التقدم للبعثة أن يكون الطالب حاصلا على معدل لا يقل عن ٥.٥ في اختبار الآيلتز عند الابتعاث.
كتاب المكتب الثقافي – واشنطن في ١٥ مارس ٢٠١٧ حيث أوصى بتبني النظام الذي يوجب على الطالب الحصول على معدل في اختبارات الآيلتز أو ما يعادلها في التوفل كشرط أساسي للالتحاق ببعثات الوزارة ”كما كان معمولا به سابقا“.
وهناك دراسة لدى وزارة التعليم العالي تشير الى أنه بنهاية خطة الابتعاث الجامعي ٢٠١٣/٢٠١٢ (بعد الغاء القرار من قبل وزير المالية الحالي نايف الحجرف) حيث كان يشترط حصول الطلبة المقبولين على استيفاء معدل ”الآيلتز أو التوفل“ أنه لم تظهر للوزارة المشكلات التي يتعرض لها الطلبة في الوقت الحالي من انخفاض في المستوى الأكاديمي، وتشمل الدراسة احصاءات عن أعداد المتعثرين (تجميد، انسحاب وتأجيل) خلال دراسة اللغة في دول الابتعاث.
جذور أزمة التعليم
تلك المخاطبات وردت في إجابة الوزير العازمي على سؤال برلماني وجهه النائب د. خليل عبدالله في ديسمبر من العام الماضي، وما جاء فيها من المكاتب الثقافية الى ”التعليم العالي“ من بيانات وأرقام ومعلومات، وهي الجهات المسؤولة عن متابعة والاشراف على الطلبة المبتعثين، يجب الوقوف عندها طويلا لفهم جذور أزمة التعليم من طلبة ومناهج ومعلمين، فهي ليست كما يحاول بعض النواب تصويره بمساعي حكومية لتقليل نسب الابتعاث بعد سيطرت أبناء القبائل على الاتحادات الطلابية في الخارج ، أو خدمة مقدمة للتجار لدفع الطلبة للانتساب للمدارس الخاصة باهظة التكاليف.
يبدو أن الحكومة تسعى للتضييق على الطلبة الكويتيين وتقليل نسبة الإبتعاث بأي طريقة من أجل أسباب واضحة لاتخفى على الجميع أهمها انتخابات الاتحادات الطلابية في الخارج وسيطرة أبناء القبائل عليها وثانيا تعزيز حظوظ الجامعات الخاصة في تقاسم كيكة خريجي الثانوية العامة#الغاء_شرط_الآيلتز
— مبارك هيف الحجرف (@MHALHAJARAF) June 18, 2018
أزمة النظام التعليمي في الكويت، والمبتعثين لاستكمال دراستهم في الخارج، ليس من صالحها أن تتحول الى معركة سياسية عنوانها ”الحضر والبدو“، أو معركة ما بين التجار والطبقات الوسطى والمحدودة، فإقحام التعليم في أتون الصراع السياسي أو المصالح الانتخابية يؤدي في النهاية الى انهيار مستقبل الدولة المرتبط أساسا في أبناءه .
مخدر وقتي
الآن، والسؤال الأهم الذي يبحث عن إجابة، هل تعود حليمة الى عادتها القديمة ويصدر الوزير العازمي قرارا بتأجيل تطبيق شرط الاختبارات؟ السرد السابق يؤكد أن مثل تلك الخطوة لم تأت بنتائج ايجابية في السابق، بل شكلت مخدرا وقتيا لألم شديد يعاني منه النظام التعليمي في الدولة.
كل الدعم والمساندة لقرار وزير التربية والتعليم العالى لشرط إختبارات التوفل أو الآيلتس قبل الإبتعاث.
وإن خضعت "يامعالي الوزير"
لمطالبهم الغير وطنيه والتخريبية..انا جاهزة لإستجوابك وبمحور واحد!!
محد خرب النظام التعليمى إلا هالتدخلات https://t.co/RrlCkfXdR0— safa Alhashem (@safaalhashem) June 16, 2018
ولعلها هي فرصة سانحة اليوم للحكومة والبرلمان ليمضيا معا لإصلاح التعليم – اذا كانت هناك رغبة جادة وحقيقية – ولا بأس ببعض الأضرار السياسية والانتخابية طالما هناك اصرار على تحقيق الأهداف الأسمى التي تخدم الطلبة أولا ومن ثم تنعكس على الدولة أخيرا.
نسخة PDF: اختبارات “الآيلتز” .. أزمة تعليم لا معركة “حضر بدو”
