دارك بولتكس للاستشارات السياسية > شؤون برلمانية > نسخة “العفو الشامل” الجديد: اعتبارات نيابية .. وقضايا سياسية منسية

نسخة “العفو الشامل” الجديد: اعتبارات نيابية .. وقضايا سياسية منسية

ينتظر الشارع السياسي والشعبي في الكويت نتائج الجولة الثانية من محاولة إقرار قانون للعفو الشامل، بعد فشل أولى المحاولات في أبريل من العام الماضي، ويأتي المقترح الجديد بصيغة مختلفة تماما عما تم اسقاطه نيابيا، إذ تم تكييفه بالجرائم المرتكبة بحادثة دخول مجلس الأمة، وفي الفترة الزمنية للواقعة فقط.

 ونص المقترح على أن “يعفى عفوا شاملا عن الجرائم التالية التي وقعت اليومين المؤرخين 16 و17 نوفمبر 2011، وهي الجرائم المؤثمة بالمواد التالية: المادة 47/أولا وثانياً والمادة 116 والمادة 134 والمادة 135 والمادة 173/1 والمادة 217/2،1 والمادة 221/رابعاً، خامساً والمادة 249 والمادة 254 من قانون الجزاء المعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء والمادة 26/1 والمادة 34/1 والمادة 35/1 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء والمادة الثانية من اصدار القانون رقم 31 لسنة 1970 والمادة 12/1 والمادة 16/3،1 والمادة 20/3،1 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات“.

عقبات تواجه المشروع

قبل الحديث عن صيغة مشروع القانون، فإن أولى العقبات التي ستواجهه قبل وصوله الى قاعة عبدالله السالم للتصويت، معارضة أغلبية اللجنة التشريعية البرلمانية له ، فهناك ٤ من أصل ٧ أعضاء ضده، فيرى النائب خالد الشطي أن المشروع غير دستوري والمدانين بقضية “خلية العبدلي” أولى بالعفو، بينما اقترح النائبان عسكر العنزي وطلال الجلال زيارة أمير البلاد وطلب عفو خاص، أما النائب أحمد الفضل هو من المعارضين منذ البداية لمبدأ العفو.

من المؤكد أن المقترح الجديد لن يختلف عن سابقه في إثارة جدل دستوري، بل سيعززه أكثر نظرا لتحديده بهذه الصيغة ، وهي عقبة أخرى سيواجهها المشروع، فالمؤيدون له يرون إنه تطبيق للمادة ٧٥ من الدستور التي تنص على “للأمير ان يعفو بمرسوم عن العقوبة أو ان يخفضها، أما العفو الشامل فلا يكون الا بقانون وذلك عن الجرائم المقترفة قبل اقتراح العفو“، فيما يرى المعارضون أن تحديده بقضية “دخول المجلس” تاريخا وعقوبات، يحوله الى عفو خاص، وهو ما يتعارض مع ذات المادة التي حددته بصلاحيات الأمير.

ولكن، لماذا اقتصر العفو الشامل على واقعة “دخول المجلس”؟ ولماذا استبعدت قضايا أخرى صنفت على انها سياسية ، وأدين فيها مجموعة من النواب السابقين والسياسيين والشباب كقضية ترديد خطاب “كفى عبثا”؟ أو قضايا الإساءة للذات الأميرية ولدول خليجية، وجميعها صدرت بها أحكام بالسجن، بعضها نافذ وبعضها الآخر مع وقف النفاذ؟

لماذا النسخة الجديدة؟

النائب د. عادل الدمخي، وهو أحد مقدمي المقترح الجديد، يبرر ذلك بقوله لـ “معالجة أسباب رفض مجلس الأمة الاقتراح السابق بحجة عدم تحديد القضايا وامكانية استفادة مجرمين آخرين من القانون“. أما المذكرة الايضاحية فذكرت “رغبة في طي صفحة ماضية وإيمانا بفتح صفحة جديدة أملا في مستقبل آمن للكويت وشعبها وتعزيز المصالحة الوطنية جاء هذا الاقتراح بقانون”.

ما اعتبره الدمخي مدخلا لكسب التأييد النيابي في الواقع هو تأكيد على ان الصيغة لا تمثل عفوا شاملا بل خاصا، وهو ما سيعقد كثيرا من الجانب الدستوري للمقترح، وسيعطي من يعارضه مخرجا قانونيا للتصويت ضده، اذ ان فلسفة العفو الشامل كرخصة دستورية مُنحت لأعضاء البرلمان لا تنظر الى أسماء المستفيدين ، فالأصل هو العفو عن العقوبة أيا كان مرتكبها.

كما ان ما جاء في نص المذكرة الايضاحية يتعارض مع واقع الحال، فـ “صفحات الماضي” شملت حوادث عديده غيرت من مجرى الحياة السياسية، منها إعادة ترديد خطاب “كفى عبثا”، وهي واقعة أدين فيها أكثر من ٦٠ مواطنا ومواطنة، من ضمنهم رموز نيابية وسياسية منهم مسلم البراك ود. فيصل المسلم، وجميعهم لن يتمكنوا من الترشح أو الانتخاب كون أحكام الإساءة للذات الأميرية مخلة بالشرف والأمانة.

فهل هناك قناعة لدى مقدمو الاقتراح ومؤيدوه بأن فتح صفحة جديدة مع السلطة يتحقق بعفو شامل عن المدانين بـ ”دخول المجلس“ فقط؟، وهل تم تجاوز جميع القضايا الأخرى ذات الأبعاد السياسية؟ علما بأن المطالبات بالمصالحة الوطنية وضعت مطلب العفو العام عن جميع المدانين بقضايا سياسة أو مرتبطة بالرأي .

اعتبارات تقديم المقترح

هناك ثلاثة اعتبارات ارتبطت بتقديم مقترح العفو عن المدانين بواقعة دخول المجلس تتمثل في تجاوز الضغوط على النواب ممن كانوا في صفوف الحراك آنذاك، واستباق أحكام محكمة التمييز اذ ما أيدت حكم درجة الاستئناف أو أي حكم آخر يتضمن عقوبة الحبس مع النفاذ، وأخيرا حماية عضوية النائبان د. وليد الحربش ود. وليد الطبطبائي – حكم النائب محمد المطير سنة بالتالي لا تعتبر عقوبة جناية – من السقوط في حال صدرت الأحكام بعقوبات جنائية وان كانت مع وقف النفاذ ولضمان خوضهم اي انتخابات مقبلة.

لقد تحقق الاعتبار الأول مع تقديم مشروع القانون، وتجاوز النواب المطلوب منهم في هذا الملف ما من شأنه أن يخفف الضغط عليهم سياسيا وشعبيا ، فكُرة المسؤولية انتقلت الآن الى ملعب مجلس الأمة ولجانه بانتظار من يصوت مع أو ضد.

 أما استباق أحكام التمييز – الاعتبار الثاني – فهي معضلة سيواجها مقدمو الاقتراح في تسويق مشروعهم، إذ أن عددا من النواب يفضلون التريث لحين ما تنتهي اليه المحكمة ، الأمر الذي سيكون له أثرا سلبيا في نتيجة التصويت اذ سبق موعد صدور الأحكام النهائية.

أما الاعتبار الأخير فهو هدف رئيسي ولكن لا يُفتح باب النقاش حوله، إلا أنه سيضع النائبان الحربش والطبطبائي في حرج سياسي، فهل يمتنعان عن التصويت كونهما مستفيدان من العفو؟ أم يتجاوزان ذلك لتحقيق المصلحة الأكبر لضمان الأصوات الكافية لإقراره؟

من المبكر التكهن بنجاح أو سقوط النسخة الجديدة من قانون العفو الشامل، بيد أن الطريق أمامه وعرا والعقبات عديدة، والوصول الى اجماع حوله يتطلب تنسيقا نيابيا وسياسيا لا يمكن أن يتحقق في ظل ظروف المجلس الحالي.

نسخة PDF: نسخة “العفو الشامل” الجديد اعتبارات نيابية .. وقضايا سياسية منسية